ليصدع أمر قومه، والله ما هو بالأمير المطاع، ولو أدرك أمله في قومه لرجع إلى أمير المؤمنين أو لكان لي تبعا، وأنتم الهامة العظمى، والجمرة (1) الحامية، فقدموه إلى قومه، فإن اضطر إلى نصركم فسيروا إليه، إن رأيتم ذلك.
فقام أبو صبرة شيمان فقال: يا زياد، إني والله لو شهدت قومي يوم الجمل، رجوت ألا يقاتلوا عليا، وقد مضى الامر بما فيه. وهو يوم بيوم، وأمر بأمر، والله إلى الجزاء بالاحسان أسرع منه إلى الجزاء بالسيئ، والتوبة مع الحق، والعفو مع الندم، ولو كانت هذه فتنة لدعونا القوم إلى إبطال الدماء، واستئناف الأمور، ولكنها جماعة دماؤها حرام، وجروحها قصاص، ونحن معك نحب ما أحببت.
فعجب زياد من كلامه، وقال: ما أظن في الناس مثل هذا.
ثم قام صبرة ابنه، فقال: إنا والله ما أصبنا بمصيبة في دين ولا دنيا كما أصبنا أمس يوم الجمل، وإنا لنرجو اليوم أن نمحص ذلك بطاعة الله وطاعة أمير المؤمنين، وأما أنت يا زياد، فوالله ما أدركت أملك فينا، ولا أدركنا أملنا فيك دون ردك إلى دارك، ونحن رادوك إليها غدا إن شاء الله تعالى، فإذا فعلنا فلا يكن أحد أولى بك منا، فإنك إلا تفعل لم تأت ما يشبهك (2)، وإنا والله نخاف من حرب على في الآخرة، ما لا نخاف من حرب معاوية في الدنيا، فقدم هواك وأخر هوانا، فنحن معك وطوعك.
ثم قام خنقر (3) الحماني، فقال: أيها الأمير، إنك لو رضيت منا بما ترضى به من غيرنا، لم نرض ذلك لأنفسنا، سر بنا إلى القوم إن شئت، وأيم الله ما لقينا قوما (4) قط إلا اكتفينا بعفونا دون جهدنا، إلا ما كان أمس.