ما أبقت عواقب الجمل عليكم إلا سوء الذكر، وقد كنتم أمس على علي عليه السلام، فكونوا اليوم له، واعلموا أن إسلامكم له ذل، وخذلانكم إياه عار، وأنتم حي مضماركم الصبر، وعاقبتكم الوفاء، فإن سار القوم بصاحبهم فسيروا بصاحبكم، وإن استمدوا معاوية، فاستمدوا عليا عليه السلام، وإن وادعوكم فوادعوهم.
ثم قام صبرة ابنه، فقال: يا معشر الأزد، إنا قلنا يوم الجمل: نمنع مصرنا، ونطيع أمنا، نطلب دم خليفتنا المظلوم، فجددنا في القتال، وأقمنا بعد انهزام الناس، حتى قتل منا من لا خير فينا بعده، وهذا زياد جاركم اليوم، والجار مضمون، ولسنا نخاف من على ما نخاف من معاوية، فهبوا لنا أنفسكم، وامنعوا جاركم أو فأبلغوه مأمنه.
فقالت الأزد: إنما نحن لكم تبع فأجيروه. فضحك زياد، وقال: يا صبرة، أتخشون ألا تقوموا لبني تميم! فقال صبرة: إن جاؤونا بالأحنف جئناهم بأبي صبرة، (1 وإن جاؤونا بالحباب جئت أنا، وإن كان فيهم شباب كثير 1) فقال زياد: إنما كنت مازحا.
فلما رأت بنو تميم أن الأزد قد قامت دون زياد بعثت إليهم: أخرجوا صاحبكم ونحن نخرج صاحبنا، فأي الأميرين غلب - على أو معاوية - دخلنا في طاعته، ولا نهلك عامتنا.
فبعث إليهم أبو صبرة إنما كان هذا يرجى عندنا قبل أن نجيره، ولعمري ما قتل زياد وإخراجه إلا سواء، وإنكم لتعلمون أنا لم نجره إلا كرما، فالهوا عن هذا.
* * * قال: وروى أبو الكنود أن شبث بن ربعي قال لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين، ابعث إلى هذا الحي من تميم، فادعهم إلى طاعتك، ولزوم بيعتك، ولا تسلط عليهم، أزد عمان البعداء البغضاء، فإن واحدا من قومك خير لك من عشرة من غيرهم.