كان لبعض الملوك نديم، فسكر، ففاتته الصلاة، فجاءت جارية له بجمرة نار، فوضعتها على رجله، فانتبه مذعورا، فقالت: إنك لم تصبر على نار الدنيا، فكيف تصبر على نار الآخرة! فترك الدنيا وانقطع إلى العبادة، وقعد يبيع البقل، فدخل عليه الفضيل وابن عيينة، فإذا تحت رأسه لبنة، وليس تحت جنبه حصير، فقالا له: إنا روينا أنه لم يدع أحد شيئا لله إلا عوضه خيرا منه، فما عوضك؟ قال: القناعة والرضا بما أنا فيه.
أصابت داود الطائي ضائقة شديدة، فجاء حماد بن أبي حنيفة بأربعمائة درهم من تركة أبيه، فقال داود: هي لعمري من مال رجل ما أقدم عليه أحدا في زهده وورعه وطيب كسبه، ولو كنت قابلا من أحد شيئا لقبلتها إعظاما للميت، وايجابا للحي، ولكني أحب أن أعيش في عز القناعة.
سفيان الثوري: ما أكلت طعام أحد قط إلا هنت عليه.
مسعر بن كدام: من صبر على الخل والبقل لم يستعبد.
فضيل: أصل الزهد الرضا بما رزقك الله، ألا تراه كيف يصنع بعبده ما تصنع الوالدة الشفيقة بولدها! تطعمه مرة خبيصا (1)، ومرة صبرا، تريد بذلك ما هو أصلح له.
المسيح عليه السلام: أنا الذي كببت الدنيا على وجهها، وقدرتها بقدرها، ليس لي ولد يموت، ولا بيت يخرب، وسادي الحجر، وفراشي المدر، وسراجي القمر.
أمير المؤمنين عليه السلام: أكل تمر دقل (2)، ثم شرب عليه ماء، ومسح بطنه، وقال: من أدخلته بطنه النار، فأبعده الله، ثم أنشد:
فإنك إن أعطيت بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا (3)