مما فعلت، كما تبنا ننهض معك إلى حرب أهل الشام، فقال لهم كلمة مجملة مرسلة قولها الأنبياء والمعصومون، وهي قوله: أستغفر الله من كل ذنب، فرضوا بها وعدوها إجابة لهم إلى سؤلهم، وصفت له (ع) نياتهم، واستخلص بها ضمائرهم، من غير أن تتضمن تلك الكلمة اعترافا بكفر أو ذنب، فلم يتركه الأشعث، وجاء إليه مستفسرا وكاشفا عن الحال، وهاتكا ستر التورية والكناية، ومخرجا لها من مظلمة الاجمال وستر الحيلة إلى تفسيرها بما يفسد التدبير، ويوغر الصدور ويعيد الفتنة، ولم يستفسره (ع) عنها إلا بحضور من لا يمكنه (ع) أن يجعلها معه هدنة على دخن، ولا توقيفا عن صبوح، وألجأه بتضييق الخناق عليه إلى أن يكشف ما في نفسه، ولا يترك الكلمة على احتمالها، ولا يطويها على غرها، فخطب بما صدع به عن صورة ما عنده مجاهرة، فانتقض ما دبره، وعادت الخوارج إلى شبهتها الأولى، وراجعوا التحكيم والمروق، وهكذا الدول التي تظهر فيها أمارات الانقضاء والزوال، يتاح لها أمثال الأشعث من أولى الفساد في الأرض، سنه الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا قال أبو العباس: ثم مضى القوم إلى النهروان، وقد كانوا أرادوا المضي إلى المدائن، فمن طريف أخبارهم أنهم أصابوا في طريقهم مسلما ونصرانيا، فقتلوا المسلم لأنه عندهم كافر، إذ كان على خلاف معتقدهم، واستوصوا بالنصراني، وقالوا: احفظوا ذمة نبيكم.
(٢٨٠)