الحر، فتراموا حتى فنيت النبال، وتطاعنوا حتى تقصفت الرماح، ثم نزل القوم عن خيولهم، ومشى بعضهم إلى بعض بالسيوف حتى كسرت جفونها، وقام الفرسان في الركب، ثم اضطربوا بالسيوف وبعمد الحديد، فلم يسمع السامعون إلا تغمغم القوم، وصليل الحديد في الهام، وتكادم الأفواه. وكسفت الشمس، وثار القتام، وضلت الألوية والرايات، ومرت مواقيت أربع صلوات، ما يسجد فيهن لله إلا تكبيرا، ونادت المشيخة في تلك الغمرات: يا معشر العرب، الله الله في الحرمات من النساء والبنات!
قال جابر: فبكى أبو جعفر وهو يحدثنا بهذا الحديث.
قال نصر: وأقبل الأشتر على فرس كميت محذوف، وقد وضع مغفره على قربوس السرج، وهو ينادي: اصبروا يا معشر المؤمنين، فقد حمي الوطيس، ورجعت الشمس، من الكسوف، واشتد القتال، وأخذت السباع بعضها بعضا، فهم كما قال الشاعر (1):
مضت واستأخر القرعاء عنها * وخلى بينهم إلا الوريع (2) قال: يقول واحد لصاحبه في تلك الحال: أي رجل هذا لو كانت له نية! فيقول له صاحبه: وأي نية أعظم من هذه ثكلتك أمك وهبلتك! إن رجلا كما ترى قد سبح في الدم، وما أضجرته الحرب، وقد غلت هام الكماة من الحر، وبلغت القلوب الحناجر، وهو كما تراه جذعا يقول هذه المقالة! اللهم لا تبقنا بعد هذا!
قلت: لله أم قامت عن الأشتر لو أن إنسانا يقسم أن الله تعالى ما خلق في العرب