فلم يضره شيئا، ثم لم يلبث أن حمل علينا في الكتيبة التي أنا فيها، فصرع رجلا ثم ذهب لينصرف، فحملت عليه فضربته على رأسه بالسيف، فخيل إلي أن سيفي قد ثبت في عظم رأسه، فضربني، فوالله ما صنع سيفه شيئا، ثم ذهب فظننت إنه لن يعود، فوالله ما راعني إلا وقد عصب رأسه بعمامة، ثم أقبل نحونا فقلت: ثكلتك أمك! أما نهتك الأوليان عن الاقدام علينا؟ قال: إنهما لم تنهياني، إنما أحتسب هذا في سبيل الله. ثم حمل ليطعنني، فطعنته وحمل أصحابه علينا، فانفصلنا، وحال الليل بيننا، فقال له عبد الرحمن: هذا يوم شهده هذا - يعني ربيعة بن ماجد - وهو فارس الحي، وما أظنه يخفى أمر هذا الرجل، فقال له: أتعرفه؟ قال: نعم، قال: من هو؟ قال: أنا، قال:
فأرني الضربة التي برأسك، فأراه فإذا هي ضربة قد برت العظم منكرة، فقال له: فما رأيك اليوم؟ أهو كرأيك يومئذ! قال: رأيي اليوم رأي الجماعة، قال: فما عليكم من بأس، أنتم آمنون ما لم تظهروا خلافا، ولكن العجب كيف نجوت من زياد لم يقتلك فيمن قتل، أو يسيرك فيمن سير! فقال: أما التسيير فقد سيرني، وأما القتل فقد عافانا الله منه!
* * * قال إبراهيم الثقفي: وأصاب الضحاك في هربه من حجر عطش شديد، وذلك لان الجمل الذي كان عليه ماؤه ضل فعطش، وخفق برأسه خفقتين لنعاس أصابه، فترك الطريق وانتبه، وليس معه إلا نفر يسير من أصحابه، وليس منهم أحد معه ماء، فبعث رجالا منهم في جانب يلتمسون الماء ولا أنيس، فكان الضحاك بعد ذلك يحكي، قال: فرأيت جادة فلزمتها، فسمعت قائلا يقول:
دعاني الهوى فازددت شوقا وربما * دعاني الهوى من ساعة فأجيب وأرقني بعد المنام وربما * أرقت لساري الهم حين يئوب