إن هذه الفنون التي تمكن منها جعلت الحافظ ابن حجر يقول:
كان صاحب فنون، وذكاء مفرط، وحفظ واسع إلى الغاية، رحمه الله.
أسلوبه وطريقة استنباطه:
إذا كان استنباط الرجل للمسائل والأحكام من النصوص دالا على نمط تفكيره، وكيفية تفهمه، فإن ما لمحه ابن حبان في النصوص من معان ليظهر بجلاء تلك العقلية المبدعة التي وهبها، فقد قال في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان - لما أمره بالرد على المشركين -: " أجب عني " قال: في هذا الخبر كالدليل على الأمر بجرح الضعفاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان بن ثابت: " أجب عني "، وإنما أمر أن يذب عنه ما كان يتقول عليه المشركون، فإذا كان في تقول المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أن يذب عنه، وإن لم يضر كذبهم المسلمين، ولا أحلوا به احرام، ولا حرموا به الحلال، كان من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين، الذي يحل الحرام ويحرم الحلال بروايتهم أحرى أن يؤمر بذب ذلك الكذب عنه صلى الله عليه وسلم.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: " يتقارب الزمان وينقص العلم "، قال:
وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن العلم ينقص في آخر الزمان، وأرى العلوم كلها تزداد إلا هذه الصناعة الواحدة، فإنها كل يوم في النقص، فكأن العلم الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم أمته بنقصه في آخر الزمان هو معرفة السنن، ولا سبيل إلى معرفتها إلا بمعرفة الضعفاء والمتروكين.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: " فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا فعليكم بسنتي " رأى ابن حبان دليلا صحيحا على أنه صلى الله عليه وسلم أمر أمته بمعرفة الضعفاء منهم من الثقات، لأنه كما قال: لا يتهيأ لزوم السنة مع