ما خالطها من الكذب والأباطيل إلا بمعرفة الضعفاء من الثقات (1).
على أنه كان يغرب أحيانا فيما يستنبطه ويراه، فيلحظ في النص ما لا يخطر على قلب أحد، وقد يدفعه ما ارتاه إلى إنكار معنى صحيح ثابت، ودفع ما لا قبل له بدفعه، كقوله في حديث أنس في الوصال: فيه دليل على أن الأخبار التي فيها وضع الحجر على بطنه من الجوع كلها بواطيل، وإنما معناها الحجز، وهو طرف الرداء، إذ الله يطعم رسوله، وما يغني الحجر من الجوع؟
ويرد عليه الذهبي بما أخرجه هو نفسه، فيقول: قد ساق في كتابه حديث ابن عباس في خروج أبي بكر وعمر من الجوع، فلقيا النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبراه، فقال: " أخرجني الذي أخرجكما " فدل على أنه كان يطعم ويسقى في الوصال خاصة (2).
ولعل هذا أيضا هو ما دعا أبا عمرو ابن الصلاح إلى النيل منه حين قال:
" وربما غلط في تصرفه الغلط الفاحش على ما وجدته "، فيصدقه الذهبي ويقول: " صدق أبو عمرو ".
وبظني أن تأثر ابن حبان بعلم الكلام، هو الذي جعله يعتمد في أسلوبه على فذلكة المعاني وفلسفتها، وكثيرا ما كان الذهبي ينال من أسلوبه هذا، فيقول: " تقعقع ابن حبان "، وقد كادت فذلكته هذه أن تودي به إلى التهلكة، فيحكم بقتله، وبطرده من بلده، كما حصل له في محنته.
محنته:
إن الناظر في تاريخ الأئمة الكبار لتتملكه الحيرة، ويمضه الألم، ولا ينقضي منه العجب: كيف وقع فحول المحدثين وكبارهم ضحية حروب