هؤلاء هم الذين أكثر عنهم في رواية هذا الكتاب، وبقية شيوخه فيه يتراوح عدد أحاديث كل منهم ما بين الواحد إلى الستين، وسأورد تراجمهم وعدة أحاديثهم في نهاية الكتاب إن شاء الله.
تحصيله العلمي:
إن مما يثير الإعجاب بابن حبان ما تميز به طوال رحلته وطلبه من همة لا يعتريها فتور، وحرص على اقتناص الفوائد ليس له نظير، فلم يسترح قلمه عن كتابة ما تسمعه أذناه من الشيوخ، حتى جاوز في ذلك الحد أحيانا، روى أبو سعد الإدريسي قال: سمعت أبا حامد أحمد بن محمد بن سعيد النيسابوري الرجل الصالح بسمرقند يقول: كنا مع أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في بعض الطريق من نيسابور، وكان معنا أبو حاتم البستي، وكان يسأله ويؤذيه، فقال له ابن خزيمة: يا بارد تنح عني لا تؤذني، أو كلمة نحوها، فكتب أبو حاتم مقالته، فقيل له: تكتب هذا؟! فقال: نعم أكتب كل شئ يقوله (1).
ومثل هذه الهمة لم يكن ليقنعها فن واحد من فنون العصر، فاتجه إلى تحصيل واستيعاب أكثر ما كان معروفا في زمانه من العلوم والمعارف، على أن أعظم ما رسخ فيه، وبرع، وغدا من أعلامه، علم الحديث فقد صار الإمام الحافظ المجود العلامة الثقة الثبت المتقن المحقق، كما وصفه بذلك غير واحد من الكبار (2)، وإذا كانت مؤلفات الرجل مرآة علمه، فمؤلفات ابن حبان شاهد له على رسوخ قدمه، وطول باعه، مترجمة عن سمو قدره، وعلو شأنه، وهذا ياقوت الحموي وهو الرجل المحقق يشهد بذلك، فيقول: " ومن تأمل تصانيفه تأمل منصف، علم أن الرجل كان بحرا في العلوم "، ويقول: