أيضا عزيزة المنال، فقد سأل الخطيب البغدادي مسعودا السجزي: أكل هذه الكتب موجودة عندكم، ومقدور عليها في بلادكم؟ فقال: إنما يوجد منها الشئ اليسير والنزر الحقير. ويبين السجزي سبب ندرتها، فيقول: وقد كان أبو حاتم بن حبان سبل كتبه، ووقفها، وجمعها في دار رسمها لها، فكان السبب في ذهابها - مع تطاول الزمان - ضعف السلطان، واستيلاء ذوي العيث والفساد على أهل تلك البلاد. فيتحسر الخطيب على ضياع هذه الكتب، وينعى على أهل تلك البلاد جهلهم وبلادتهم، فيقول: ومثل هذه الكتب كان يجب أن يكثر بها النسخ، فيتنافس فيها أهل العلم ويكتبوها، ويجلدوها إحرازا لها، ولا أحسب المانع من ذلك كان إلا معرفة أهل تلك البلاد بمحل العلم وفضلة، وزهدهم فيه، ورغبتهم عنه، وعدم بصيرتهم به والله أعلم.
ويبدو لي أن ثمت سببا آخر كان وراء ضياع كتبه، وهو خصومته الشديدة لأتباع أبي حنيفة، وتأليفه كتبا في " مثالبه " و " علل مناقبه " و " علل ما استند إليه "، وهو مقيم مع مكتبته في بلاد أغلب أهلها على مذهب أبي حنيفة، يضاف إلى ذلك تلك المنازعة الشديدة التي جرت بينه وبين واعظ سجستان يحيى بن عمار في مسألة الحد لله، وأدت إلى طرده، مما يدل على مدى تأثير الواعظ على الرأي العام هناك، كل ذلك مما جعل أهل تلك البلاد ينظرون إلى كتبه شزرا، ولا يقدرونها حق قدرها، فلا يحرزونها، ولا يأبهون لفقدانها، بل لعله كان لهم يد في تبديدها، فلله الأمر.
ما طبع من مؤلفاته 1 - كتاب " الثقات ": وقد اختصره مع كتابه الآخر " المجروحين والضعفاء " من كتابه " التاريخ الكبير " لما رآه من صعوبة حفظ كل ما في " الكبير " من الأسانيد والطرق والحكايات، فذكر في " الثقات " الذين يجوز الاحتجاج بخبرهم، فقال: فكل من أذكره في هذا الكتاب الأول فهو صدوق يجوز الاحتجاج بخبره إذا تعرى عن خصال خمس فذكرها المؤلف وهي: