حكم عليه بعض أئمة عصره بالزندقة، فهجره الناس ثم كتب بهذا الأمر الخطير إلى الخليفة، الذي سارع إلى إقامة حد الله على هذا القائل، فأمر بقتله، ولولا أن الله سلم لحز رأسه بحد السيف، فما كان أغنى ابن حبان عن مقالته هذه، لقد أوقع نفسه، وأتعب عارفيه في الدفاع عنه، وتأويل عبارته الموهمة هذه، ودفع تهمة الزندقة أن تلتصق به، فالإمام الذهبي ينقل قصته هذه ثم يقول: هذه حكاية غريبة، وابن حبان فمن كبار الأئمة، ولسنا ندعي فيه العصمة من الخطأ، لكن هذه الكلمة التي أطلقها قد يطلقها المسلم، ويطلقها الزنديق والفيلسوف، فإطلاق المسلم لها لا ينبغي، لكن نعتذر عنه، فنقول: لم يرد حصر المبتدأ في الخبر، ونظير ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " الحج عرفة " ومعلوم أن الحاج لا يصير بمجرد الوقوف بعرفة حاجا، بل بقي عليه فروض وواجبات، وإنما ذكر مهم الحج، وكذا هذا ذكر مهم النبوة، إذ من أكمل صفات النبي كمال العلم والعمل، فلا يكون أحد نبيا إلا بوجودهما، وليس كل من برز فيهما نبيا، لأن النبوة موهبة من الحق تعالى، لا حيلة للعبد في اكتسابها، بل بها يتولد العلم اللداني والعمل الصالح، وأما الفيلسوف فيقول: النبوة مكتسبة ينتجها العلم والعمل، فهذا كفر، ولا يريده أبو حاتم أصلا، وحاشاه (1).
وفذلكة ابن حبان أوقعته في حبال مشكلة أخرى، وذاك أنه اقتحم في متاهة لا علم فيها ولا دليل، وخاض في أمر كان البعد عن خوض لجاجه أسلم لدينه ونفسه، فقد أنكر الحد لله، وصرح بذلك في مقدمة كتابه " الثقات "، فثارت ثائرة الذين أثبتوا لله الحد، واستشاطوا غضبا، ولم تسترح نفوسهم إلا حين رأوه مطرودا وحيدا يغادر بلدته سجستان، ويفتخر بطرده يحيى بن عمار ذاك الواعظ في سجستان حين سأله أبو إسماعيل الهروي: هل رأيت ابن حبان؟
فيجيبه منتفخا متعظما رافعا رأسه: وكيف لم أره؟ نحن أخرجناه من سجستان.
ويعلل ابن عمار سبب طرده ابن حبان، وأنه تقرب بذلك إلى الله، وانتصر بزعمه