قال: " ربما غلط الغلط الفاحش في تصرفه "، ووافقه على غمزه الذهبي، فقال " وصدق أبو عمرو ".
وبرع أيضا في علم العربية، حتى عرف أسرارها، وحقيقتها ومجازها، وتمثيلها واستعاراتها، مما مكنه أن يستنبط الأحكام الشرعية من نصوص القرآن والسنة، وكثيرا ما كان يمهد لاستنباطه بذكر القاعدة اللغوية المتعارف عليها عند العرب، كقوله: " العرب تذكر الشئ في لغتها بعدد معلوم ولا تريد بذكرها ذلك العدد نفيا عما وراءه " وقوله: " العرب في لغتها تطلق اسم البداءة على النهاية، واسم النهاية على البداءة "، وغير ذلك مما نثره وبسطه في كتابه هذا، مما يكشف عن مدى تعمقه في فهم العربية، وسبره لغورها، وإدراكه لمقاصد ألفاظها وأسرار تراكيبها.
ونضج في علم الكلام حتى تأثرت به عقليته، وتلون به فكره، واصطبغ بتقسيماته وفصوله أسلوبه، فتراه يذهب إلى تقسيم الشئ إلى كلي وجزئي، وتفريق الشيئين المتضادين والمتهاترين - على حد تعبيره -، إلى غير ذلك مما هو جلي في تعليقاته وتفسيراته واستنتاجاته في الكتاب، وما طريقة ترتيب كتابه هذا حسب التقاسيم والأنواع إلا ثمرة من ثمار تأثره بعلم الكلام، وقد ذكر ذلك السيوطي في " تدريب الراوي " 1 / 109، وما محنته التي سنعرض لها قريبا إلا نتيجة لاستيلاء مصطلحات هذا الفن على ألفاظه وعباراته، مما يشير إلى أن نسيج فكره قد شد من خيوط هذا الفن، ولم يكن علمه به مجرد إلمام واطلاع.
وبالإضافة إلى هذا حصل علم الطب والفلك، ويظهر أنه بلغ فيهما رتبة أمكن معها القول فيه: " كان عالما بالطب والنجوم " (1).