يقينه وضعفت نيته في طلب الرزق، أن الله تبارك وتعالى خلقه في ثلاثة أحوال من أمره وآتاه رزقه، ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة، ان الله تبارك وتعالى سيرزقه في الحال (في حال خ ل) الرابعة، أما أول ذلك: فإنه كان في رحم أمه يرزقه هناك في قرار مكين حيث لا يؤذيه حر ولا برد، ثم أخرجه من ذلك وأجرى له رزقا من لبن أمه ويربيه وينعشه من غير حول به ولا قوة، ثم فطم من ذلك فأجرى له رزقا من كسب أبويه برأفة ورحمة له من قلوبهما لا يملكان غير ذلك حتى أنهما يؤثر انه على أنفسهما في أحوال كثيرة، حتى إذا كبر وعقل واكتسب لنفسه ضاق به أمره وظن الظنون بربه، وجحد الحقوق في ماله، وقتر على نفسه وعياله، مخافة اقتار رزق وسوء يقين بالخلف من الله تبارك وتعالى في العاجل والآجل فبئس العبد يا بني هذا (7).
وروى الكليني (ره) عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يحيى بن عقبة الأزدي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان فيما وعظ به لقمان ابنه: يا بني ان الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا ولم يبق من جمعوا له، وإنما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه اجرا، فأوف عملك واستوف أجرك، ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في أرض خضراء، فأكلت حتى سمنت فكان حتفها عند سمنها، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر، أخربها ولا تعمرها فإنك لم تؤمر بعمارتها، واعلم انك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن أربع: شبابك فيما أبليته، وعمرك فيما أفنيته ومالك مما اكتسبته وفيما أنفقته، فتأهب لذلك وأعد له جوابا، ولا تأس على ما فاتك من الدنيا، فان قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه، وكثيرها لا يؤمن