بسرف فلم يصل المغرب حتى دخل مكة، ولما انتهى إلى الثنيتين بات بينهما، فدخل مكة نهار الثلاثاء (1).
فلما قضى مناسكه وانصرف راجعا إلى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات ووصل إلى (غدير خم) من الجحفة التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين، وذلك يوم الخميس (2) الثامن عشر من ذي الحجة، نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك (3)... - الآية، وأمره أن يقيم عليا علما للناس ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد، وكان أوائل القوم قريبا من الجحفة، فأمر رسول الله أن يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام أن لا ينزل تحتهن أحد حتى إذا أخذ القوم منازلهم فقم ما تحتهن حتى إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهن فصلى بالناس تحتهن، وكان يوما هاجرا يضع الرجل بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء، وظلل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلما انصرف صلى الله عليه وسلم من صلاته قام خطيبا وسط القوم (4) على أقتاب الإبل (5) وأسمع الجميع رافعا عقيرته فقال:
(الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا،