وهي كدستور فيها تعاليم وإرشادات إلى مناهج الخدمة للمجتمع، وتنوير أفكار المثقفين وتوجيهها إلى طرق النشر والدعاية، ودروس في توطيد أسس المذهب، وكيفية احتلال روحيات البلاد وقلوب العباد، وبرنامج في صرف مال الله، وتلويح إلى أهم موارده.
تعرب عن هذه الفكرة المشكورة إيصاء الإمام الباقر ابنه الإمام الصادق عليهما السلام بقوله: (يا جعفر! أوقف لي من مالي كذا وكذا للنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى (1). وفي تعيينه عليه السلام ظرف الندبة من الزمان والمكان لأنهما المجتمع الوحيد لزرافات المسلمين من أدنى البلاد وأقاصيها من كل فج عميق، وليس لهم مجتمع يضاهيه في الكثرة، دلالة واضحة على أن الغاية من ذلك إسماع الملأ الديني مآثر الفقيد (فقيد بيت الوحي) ومزاياه، حتى تنعطف عليه القلوب، وتحن إليه الأفئدة، ويكونوا على أمم من أمره، وبمقربة من اعتناق مذهبه، فيحدوهم ذلك بتكرار الندبة في كل سنة إلى الالتحاق به، والبخوع لحقه، والقول بإمامته، والتحلي بمكارم أخلاقه، والأخذ بتعاليمه المنجية. وعلى هذا الأساس الديني القويم أسست المآتم والمواكب الحسينية ليس إلا.
ونظرا إلى المغازي الكريمة المتوخاة من الشعر كان شعراء أهل البيت ممقوتين ثقيلين جدا على مناوئيهم، وكانت العداء عليهم محتدمة، والشحناء لهم متشزنة، وكان حامل ألوية هذه الناحية من الشعر لم يزل خائفا يترقب، آئسا من حياته مستميتا مستقتلا، لا يقر له قرار، ولا يأواه منزل، وكان طيلة حياته يكابد المشاق، ويقاسي الشدائد من شنق وقتل وحرق وقطع لسان وحبس وعذاب وتنكيل وضرب وهتك حرمة وإقصاء من الأهل والوطن إلى شدائد أخرى سجلها