ضمير. وعندئذ تغدو الفضيلة ضلا لا أثر له في صيانة المجتمع من أخطار التفاوت الطبقي.
لذلك لم يكل أمر تحقيق القيمة العليا إلى الانسان وحده، وإنما جعل لها سندا من القانون، ليكون لها من القوة ما يحمل الأغنياء الأقوياء، وغير الأغنياء على التمسك بها. وكان من ذلك أن ساوى بين جميع الطبقات في الحقوق والواجبات، فالجميع سواء أمام الله، والجميع سواء أمام القانون، وجريمة الغني هي جريمة الفقير، وجريمة الرفيع هي جريمة الصعلوك، لا يمتهن هؤلاء لضعفهم ولا يحابى أولئك لشرفهم.
وبهذا حال بين الطبقات العليا وبين أن تطغى وتعتز، لأنه أثبت لها أن الغنى والسلالة والماضي العريق لن تجدي شيئا أمام القانون. وحال بين الطبقات السفلى وبين أن تشعر بالحيف والضعة والاستغلال، لأنه أثبت لها أن عدم الغنى وأن ضعة النسب لا تجعل من القانون لها عدوا، وإنما هي أدعى لان تجعله أرفق بها، وأحنى عليها، وأرعى لشؤونها في السراء والضراء.
* * * وحين تحتد الفروق الاقتصادية، فتتسع وتعمق، تغيض منابع الفضيلة من المجتمع وتسوده نوازع الحيوان.
فأنت لا تستطيع أن تطلب من جائع لا يجد القوت أن يصير فاضلا، لان الحرمان لا يدفع إلى الفضيلة وإنما يخلق تصورات الحرمان التي تدفع إلى التمرد والاجرام حين لا يجد المحروم اليد البارة الوصول.
إن الجائع الذي لا يجد ما يسد جوعته وإن خشن وهان، والعاري الذي يجد للريح مثل لسع السياط، وللشمس مثل مس الحميم، والمريض الذي لا يجد ثمن الدواء ولا الخلاص من اللاواء - هؤلاء لا يستطيعون أن يتغنوا بالفضيلة حين يرون الغني الكاسي الصحيح الذي لا يعرف معنى للجوع، فالفضيلة ليست