بغيرها من أساليب الصراع، وإنما تنظر الطبقات السفلى إلى العليا نظر حب ورحمة واكبار، لأنها لا ترى في الطبقات العليا مستغلين يريدون امتصاص دمائها وجهدها، وإنما ترى فيهم رسل إصلاح ضحوا بمصالحهم في سبيل مصالح الجميع، وتنكروا لأنفسهم وشهواتهم في سبيل الآخرين، فهم ليسوا مستغلين لان أكفهم لم تتعود غير العطاء. وفي مجتمع كهذا تنظر الطبقات العليا إلى السفلى نظرة رحمة وإشفاق وتحاول جهدها أن تنشلها من الوهدة التي قبعت فيها إلى الأفق العالي حيث يقبل جبينها نور الشمس. لا صراع ولا تناحر لان الطبقات هنا لم تنحط عن القمة لأنها منعت من الصعود. لا صراع ولا تناحر لان الأجنحة التي يحلق بها الانسان هنا ليست شئ خارجا عن النفس يملكه فريق ولا يجده الآخرون، وإنما هي شئ ينبع من النفس.. هي أنت بما أودع الله فيك من إمكانات الصعود، ولم تبق حيث أنت لأنك لا تملك هذه الامكانات، وإنما لأنك فضلت واقعك اللاذ على الأفق العالي حيث الثمن هو التضحية وانكار الذات.
في مجتمع كهذا يحتل الاقتصاد مرتبة ثانوية من حيث التقويم، فإذا اتخذه الانسان وسيلة لنشر الفضيلة كان مزية يحمد عليها، وإلا كان رذيلة لا تهبه قيمة ولا تسبغ عليه قدرا.
وأخرى تكون القيمة العليا للحياة هي الاقتصاد.. النجاح المادي الخارق القائم على تكديس الأموال وتراكم العقارات، حينئذ تتحدد المراتب الاجتماعية على هذا الأساس، فيرتفع إلى القمة أولئك الأغنياء الكبار ملوك المال والأعمال، ويقبع في الحضيض أولئك الذين لا يملكون شيئا أو يملكون شيئا قليلا، وتتفاوت مراتب الناس بين هاتين الطبقتين على مقدار ما يملكون.
في مجتمع كهذا توجد طبقات كما رأيت، ولكن التفاوت الطبقي يأخذ صفة الصراع، لان ما سبب الانقسام الطبقي هو مصدر القيمة في المجتمع، ولان