إن فلسفة الفقر عنده تجتمع في هاتين الكلمتين:
(إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء فما جاع فقير إلا بما متع به غني) (1).
و (ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع).
ومن هنا أصبح من أبرز المشاكل التي حفل بها منهجه الاصلاحي يوم ولي الحكم، مشكلة الفقر والغنى.
ولقد كان مجتمعه إذ ذاك يعاني جراحا عميقة بسبب هذه المشكلة، فقد ولي الامام الحكم والتفاوت الطبقي في المجتمع الاسلامي على أشد ما يكون عمقا واتساعا.
ففي العهد السابق على ولاية الإمام عليه السلام للحكم كانت الطريقة المتبعة في التقدير وإظهار الكرامة هي التفضيل في العطاء. وقد اتبعت هذه الطريقة في بعض الحالات بصورة خارجة عن حدود المعقول والمقبول، ففضل من لا سابقة له في الدين ولا قدم له في الاسلام على ذوي السوابق والاقدار.
وقد أوجد هذا اللون من السياسة المالية طبقة من الاشراف لا تستمد قيمتها من المثل الاعلى للاسلام، وإنما تستمدها من السلالة والغنى والامتيازات التي ولا ماض عريق، وكان من عقابيل ذلك أن أحس الفقراء الضعفاء بالدونية واستشعر الاشراف الاستعلاء، وحرم الفقراء المال الذي تدفق إلى جيوب الأغنياء.
فلما ولى الامام الحكم الفي بين يديه هذا الإرث المخيف الذي يهدد باستئصال ما غرسه النبي في نفوس المسلمين.