يكونوا فضلاء.. وأن يجعلوا الأرض أختا للسماء.
* * * فقد وعى الامام ان الانسان الجائع، المستغل، المحروم، المصفد بالاغلال لا يستطيع أن يكون فاضلا، وأن من اللغو أن يوعظ بالوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، وإن إنسانا كهذا ينقلب كافرا: كافرا بالقيم، والفضائل والانسان.
إن معدته الخاوية، وجسده المعذب، ومجتمعه الكافر بانسانيته، المتنكر له، وشعوره بالاستغلال، وميسم الضعة الذي يلاحقه أنى كان - هذه كلها تجعله لصا، وسفاحا، وعدوا اللانسانية التي لم تعترف له بحقه في الحياة الكريمة.
ووعى ان المجتمع القائم على سيادة فريق وعبودية فريق، وعلى استغلال الأسياد للعبيد، والأحرار للمصفدين بالاغلال، مجتمع لا يمكن أن توجد فيه فضيلة ولا يمكن أن يوجد فيه فضلاء. إنه ليس إلا مجتمع لصوص ومجرمين وعبيد، تسير أفراده الأحقاد والمكر والاستغلال، وما كانت اللصوصية والعبودية وما إليها يوما فضائل تشرف الانسان.
على أساس من هذا الوعي جعل الامام الاصلاح الاقتصادي أساسا للاصلاح الاجتماعي.
ولقد كان من الطبيعي جدا - حتى عند المفكرين والمصلحين - في عصر الامام وقبله أن يوجد أناس جائعون فقراء، وان يوجد أغنياء يحارون كيف ينفقون أموالهم، فلم يكن الفقر بذاته والغنى بذاته مشكلة اجتماعية تطلب حلا، لأنها في نظرهم أمر طبيعي لا محيد عنه. إنما المشكلة هي: كيف السبيل إلى اسكات الفقراء وحماية الأغنياء؟ فكان الامام - بعد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هو أول من كشف أن الفقر والغنى مشكلة اجتماعية خطيرة، ونظر إليها على أساس أفاعيلها الاجتماعية.