القيمة العليا هنا شئ خارج عن النفس فلا يكون للطبقات السفلى حينئذ أمل بالارتفاع.
ومن هنا ينشأ عند الطبقات السفلى شعور بالاستغلال، ويواكب هذا الشعور شعور آخر، فالطبقات العليا عند هؤلاء تعني - بالنسبة إليهم - المزاحم على متع الحياة والسعادة والقوة، ويولد هذا الشعور في أنفسهم مشاعر الحقد والبغضاء، ويدفع بهم إلى الخيانة والاجرام.
وهذا التخطيط الذي ذكرناه يصح بالنسبة إلى كل المجتمعات التي تجعل الاقتصاد مثلا أعلى لها، سواء منها ما يرفع إلى القمة الرأسماليين، أو ما يرفع إليها العمال والفلاحين، لان الصراع في هذه الأخيرة هو الصراع في المجتمعات الرأسمالية ومنابعه هنا هي منابعه هناك، فالأحقاد، والمطامع، والنيات السيئة، والمكر الخبيث هي المد النفسي الذي يطغى على الكتلة الاجتماعية في هذه الحالة وينسج مصيرها.
غاية ما في الباب ان قمة الهرم الاجتماعي وقاعدته متعاكستان فبينما يحتل الرأسماليون القمة في المجتمعات الرأسمالية يحتلها - نظريا - العمال في المجتمعات الشيوعية القائمة اليوم. على أننا لا نستطيع أن نعقل ما يقال من أن الطبقة العاملة في المجتمعات الشيوعية هي التي تحتل قمة الهرم الاجتماعي. ان العلماء والأطباء والمهندسين والكتاب والممثلين ورؤساء المصانع ورؤساء الهيئات العمالية والمزارع التعاونية يتمتعون بميزات اجتماعية واقتصادية لا تتاح لسائر العمال.
وإذن لا فرق بين المجتمعات الرأسمالية والشيوعية في العقابيل التي تنشأ من جعل الاقتصاد قيمة عليا، ولئن كان ثمة فرق فإنما هو في السطح والشكل، أما الاعماق. وأما ينابيع الصراع فهي واحدة في كل هذه المجتمعات.
وهكذا ترى كيف أن جعل الاقتصاد قيمة عليا للحياة يسوق إلى التفسخ