وإذا كان هذا كله حقا فلماذا أصد النفس عن اللذة حين تشتهي اللذة؟
ولماذا الفرار من الحرب حين تستعر الحرب؟ ولماذا إمساك اليد عن بذل المال حين يفد صاحب الحاجة الفقير، وصاحب الغرم الثقيل؟.
ان أيامنا على الأرض معدودة، ونهايتنا بعد الحياة الموت، وبعد الموت القبر، وبعد ذلك في حسبان الجاهليين - النسيان والفراغ، فلماذا لا نمتع أنفسنا بلذاتها؟ ولماذا نمسك أيدينا عن صنع وجود كريم لنا يبقى بعد ذهابنا في قلوب الناس وعلى ألسنتهم بما نصنع من خير، وبما نسدي من معروف؟
ان العجز كل العجز، والخرق كل الخرق أن يتمرد انسان على واقعه فيظن الخلود لنفسه، ويدفعه ذلك إلى إمساك يده عن البذل، وإمساك نفسه عن الحرب، والظن عليها بلذتها.
هذه النظرة الواقعية ليست شيئا مرتجلا، وإنما هي نتاج تفكير يفلسف الحياة والموت، وتقلب الأنساب بينهما، وهي أكثر ما تكون شيوعا في الشعر العربي.
إسمع طرفة بن العبد كيف يقول في تعليل إسرافه في إنفاقه، وإسرافه في ملاذه، وعدم إمساك يده عن البذل، وعدم إمساك نفسه عن اللذة:
أرى قبر نحام (1) بخيل بماله * كقبر غوي في البطالة مفسد ألا أيها ذا اللائمي أحضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي؟
فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي * فدعني أبادرها بما ملكت يدي