ونصرة الباطل شيئان متضادان، والتقوى وحب الأثرة والتكبر شيئان متضادان.
هذا الواقع كيف كان يسع الامام أن يعدله، هل كان عليه أن يجاري أهواء أصحابه فيبذل لهم ما تطمح إليه أنفسهم؟. لقد قال:
(أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور.).
هل يقتلهم؟ إن ذلك كفيل بإحراج مركزه وإثارة الناس عليه.
هل ينفيهم؟ إن ذلك يدفعهم إلى المجاهرة بولائهم لمعاوية وبذلك يجرون وراءهم قبائلهم.
لقد كان آمن المواقف معهم ابقاؤهم تحت سمعه وبصره، إن قعدوا عن نصرته لا يستطيعون نصرة عدوه. ثم حاول أن يبدل نظرة الناس إليهم ويبدل نظرتهم إلى هذه المطامح التي يطمحون إليها بوسيلتين:
الأولى: - وقد كان يتوجه بها إلى الرجل العادي - هي محاربة النزعة القبلية. فقد كان عليه السلام يعلم أن قوة هؤلاء الرؤساء مستمدة من إيمان قبائلهم بهم، فإذا تزعزع هذا الايمان لم يعد لهم من قيمة.
الثانية: هي الموعظة، وهو بين فيها للرؤساء أن ما يطمحون إليه وهم من الوهم، وان حاضرهم خير لهم من دنيا يصيبونها عن طريق الخيانة والغدر ونصرة الباطل.
وسنرى أن الألوان الوعظية في نهج البلاغة تدور حول هذا القطب.
وقد كان يتوجه بهذه المواعظ أيضا إلى الافراد العاديين الذين يخشى من أن يفتنهم رؤساؤهم بتحبيب دنيا معاوية إلى أنفسهم.
ولعل هذا يفسر كثرة تكرار الامام لمواعظه. فقلما ترى خطبة من خطبه