ولماذا التكالب والوحشية؟ ولماذا نصر على أخذ الدنيا عن طريق الختل والغدر؟
ولماذا نصر على ظلم إخواننا من الناس في سبيل أن نزيد ذهبنا المكدس درهما جديدا؟ ولماذا نباغض إخواننا في الدين والانسانية والوطن في سبيل عرض حقير؟ فنفسد حياتنا على أنفسنا، ونفسد حياة إخواننا، ونعيش غرباء، لا تجمعنا عاطفة، ولا تصل بين قلوبنا رحمة، ولا يتألق في أعيننا لإخواننا حب.
ألا يكفينا أن الموت سيفرق بيننا؟ لا. لا. أكرم أخاك الدهر ما دمتما معا.
هذه الواقعية الوادعة المحببة، وهذا الشعور الانساني الفياض الدافق، كانا غريبين عن نفوس الناس وقلوبهم في مجتمع العراق أيام الإمام عليه السلام، وقد كان الامام يعمل على إعادة الشعور بها إلى النفوس، وسنجده في بعض الألوان التي احتواها القسم الوعظي من كلامه ينعى على الناس تركها، ويحضهم على الرجوع إليها، والصدور في سلوكهم عنها.
* * * وثمة لون آخر من كلامه عليه السلام ربما لا يسمى وعظا، ولكنه يندد فيه بالناس على تركهم لهذا اللون من النظر إلى الحياة والموت، ويدعوهم إلى الرجوع إليه.
قال:
(. وقد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدبارا، والشر إلا إقبالا، ولا الشيطان في هلاك الناس إلا طمعا.. اضرب بطرفك حيث شئت من الناس فهل تبصر إلا فقيرا يكابد فقرا، أو غنيا بدل نعمة الله كفرا، أو بخيلا اتخذ البخل بحق الله وفرا (1)، أو متمردا كان بأذنه عن