كنى بذلك عن أن دوافع الانسان إلى إجابة حاجات نفسه وشهواتها مودعة فيه، وإذا كانت مودعة فيه فهي جزء من كيانه، وهي تسهم في حبك جزء من نسيج وجوده الانساني، ولذلك فهو يحبها ويقبل عليها، ويأخذ بحظ منها، ولكن لا لوم عليه في ذلك، فهو حينما يقبل عليها إنما يلبي بإقباله هاتفا ملحا لا قبل له بكتم صوته مهما أوتي من عزيمة ومضاء.
وهنا تأتي قصة عاصم بن زياد شاهد صدق على ما نقول:
دخل عليه السلام على العلاء بن زياد الحارثي يعوده فلما رأى سعة داره قال:
(ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا أما أنت إليها في الآخرة كنت أحوج؟ وبلى ان شئت بلغت بها الآخرة، تقري فيها الضيف، وتصل فيها الرحم، وتطلع منها الحقوق مطالعها (1)، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة).
فقال له العلاء: يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصم بن زياد. قال:
وماله؟ قال: لبس العباءة وتخلى عن الدنيا. قال: علي به، فلما جاء قال:
(يا عدي (2) نفسه لقد استهام بك الخبيث (3)، أما رحمت أهلك وولدك؟ أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون على الله من ذلك).