وقال بعض الفضلاء: ينبغي للعالم أن يورث أصحابه " لا أدري " (1). ومعناه أن يكثر منها لتسهل عليهم ويعتادوها، فيستعملوها في وقت الحاجة.
وقال آخر: تعلم " لا أدري " فإنك إن قلت: لا أدري، علموك حتى تدري، وإن قلت: أدري، سألوك حتى لا تدري (2).
واعلم أن قول العالم: " لا أدري " لا يضع منزلته، بل يزيدها رفعة ويزيده في قلوب الناس عظمة، تفضلا من الله تعالى، وتعويضا له بالتزامه الحق، وهو دليل واضح على عظمة محله وتقواه وكمال معرفته. ولا يقدح في المعرفة الجهل بمسائل معدودة.
وإنما يستدل بقوله: " لا أدري " على تقواه، وأنه لا يجازف في فتواه، وأن المسألة من مشكلات المسائل. وإنما يمتنع من " لا أدري " من قل علمه وعدمت تقواه وديانته، لأنه يخاف لقصوره أن يسقط من أعين الناس، وهذه جهالة أخرى منه، فإنه بإقدامه على الجواب فيما لا يعلم يبوء بالإثم العظيم، ولا يصرفه عما عرف به من القصور، بل يستدل به على قصوره، ويظهر الله تعالى عليه ذلك بسبب جرأته على التقول في الدين، تصديقا لما ورد في الحديث القدسي:
من أفسد جوانيه أفسد الله برانيه (3).