المستندات التاريخية للقضية. ومع أن المستندات كثيرة فإنها مسألة محيرة أن نعرف ماذا عسى أن تكون النقطة التي اختلف فيها المتنازعان، ومن الصعوبة توحيد هذه النقطة.
والناس يرون أن مثار الخلاف بين أبي بكر والزهراء هو مسألة توريث الأنبياء، فكانت الصديقة تدعي توريثهم، والخليفة ينكر ذلك. وتقدير الموقف على هذا الشكل لا يحل المسألة حلا نهائيا ولا يفسر عدة أمور:
(الأول) قول الخليفة لفاطمة في محاورة له معها - وقد طالبته بفدك -:
إن هذا المال لم يكن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما كان مالا من أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال وينفقه في سبيل الله، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليته كما كان يليه (1). فإن هذا الكلام يدل بوضوح على أنه كان يناقش في أمر آخر غير توريث الأنبياء.
(الثاني) قوله لفاطمة في محاورة أخرى: (أبوك والله خير مني وأنت والله خير من بناتي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا نورث ما تركناه صدقة (2).
يعني هذه الأموال القائمة، وهذه الجملة التفسيرية التي ألحقها الخليفة بالحديث تحتاج إلى عناية، فإنها تفيدنا أن الخليفة كان يرى أن الحكم الذي تدل عليه عبارة الحديث مختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس ثابتا لتركة سائر الأنبياء ولا لتركة سائر المسلمين جميعا، فحدد التركة التي لا تورث بالأموال القائمة، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعنيها هي بالحديث. وعلى هذا