معي الان بوضوح أن الحكم ليس إلا أن الصدقة لا تورث، فإن هذا أمر عام لا يختص بصدقة دون صدقة بل يطرد في سائر صدقات المسلمين.
ولا غرابة في بيان الحكم بعدم توريث الصدقات في صدر زمان التشريع مع وضوحه الان، لأن قواعد الشريعة وأحكامها لم تكن قد تقررت واشتهرت بين المسلمين فكان لاحتمال انفساخ الصدقات والأوقاف بموت المالك ورجوعها إلى الورثة متسع، ولا يضعضع قيمة هذا التفسير عدم ذكر الزهراء له واعتراضها به على الخليفة.
أما أولا: فلأن الموقف الحرج الذي وقفته الزهراء في ساعتها الشديدة لم يكن ليتسع لمثل تلك المناقشات الدقيقة، حيث أن السلطة الحاكمة التي كانت تريد تنفيذ قراراتها بصورة حاسمة قد سيطرت على الموقف بصرامة وعزم لا يقبلان جدالا، ولذا نرى الخليفة لا يزيد في جواب استدلال خصمه بآيات ميراث الأنبياء على الدعوى الصارمة إذ يقول: (هكذا هو) - كما في طبقات ابن سعد * (1) - فلم يكن مصير هذه المناقشات لو قدر لها أن تساهم في ا لثورة بنصيب إلا الرد والفشل.
وأما ثانيا: فلأن هذه المناقشات لم تكن تتصل بهدف الزهراء وغرضها الذي كان يتلخص في القضاء على جهاز الخلافة الجديدة كلها، فمن الطبيعي أن تقتصر على الأساليب التي هي أقرب إلى تحقيق ذلك الغرض،