فقد كانت تلك اللحظة التي ضرب بها بشيرين سعد (1) على يد الخليفة نقطة التحول في تاريخ الإسلام التي وضعت حدا لأفضل العهود وأعلنت عهد آخر نترك تقريضه للتاريخ.
(مسألة موت الرسول القائد صلى الله عليه وآله وسلم) وقد كان ذلك في اليوم الذي حانت فيه الساعة الأخيرة في تاريخ النبوات التي قطعت أقدس أداة وصل بين السماء والأرض وأبركها وأفيضها خيرا ونعمة وأجودها صقلا للإنسانية إذ لفظ سيد البشر نفسه الأخير وطارت روحه إلى الرفيق الأعلى فكان قاب قوسين أو أدنى، فهرع الناس إلى بيت النبوة الذي كان يشرق بأضوائه لتوديع العهد المحمدي السعيد وتشييع النبوة التي كانت مفتاح مجد الأمة، وسر عظمتها، واجتمعوا حوله تتقاذفهم شتى الخواطر وترتسم في أفكارهم ذكريات ممن روعة النبوة وجلال النبي العظيم. وقد خيل إليهم أن هذه السنوات العشر التي نعموا فيها برعاية خير الأنبياء، وأبر الاباء كانت حلما لذيذا تمتعوا به لحظة من زمان وازدهرت به الإنسانية برهة من حياتها، وهاهم قد أفاقوا على أسوأ ما يستيقظ عليه نائم.
وبينما كان المسلمون في هذه الغمرة الطاغية، والصمت الرهيب لا ينطق منهم أحد بكلمة، وقد اكتفوا في تأبين الراحل العظيم بالدموع والحسرات والخشوع والذكريات، إذ يفاجؤون بصوت يجلجل في الفضاء ويقطع خيط الصمت الذي لف المجتمعين وهو يعلن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يمت ولا يموت حتى يظهر دينه على الدين كله وليرجعن فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممن أرجف بموته: (لا أسمع رجلا يقول مات رسول الله