ولا أدري ماذا كان موقفهما لو قدر لهما ولعلي أن يتبادلوا ظروفهم فيقف الصديق والفاروق موقف الأمام ويسود في تلك الظروف التي كانت كلها تشجع على بناء سياسة، ومنهج لحكم جديد، وإنشاء حياة لها من ألوان الترف، وضروب النعيم حظ عظيم، فهل كانا يعاكسان تلك الظروف كما عاكسها أمير المؤمنين؟... فضرب بنفسه مثلا في الاخلاص للمبدأ والنزاهة في الحكم.
وأنا لا أقصد بهذا أن أقول إن الخليفتين كانا مضطرين اضطرارا إلى سيرة رشيدة في الحكم، واعتدال في السياسة والحياة، ومرغمين على ذلك، وإنما أعني أن الظروف المحيطة بهما كانت تفرض عليهما ذلك سواء أكانا راغبين فيه أو مكرهين عليه.
كما أني لا أريد أن أجردهما عن كل أثر في التاريخ، وكيف يسعني شئ من ذلك، وهما اللذان كتبا يوم السقيفة سطور التاريخ الإسلامي كله، وإنما عنيت أنهما كانا ضعيفي الأثر في بناء تاريخ أيامهما خاصة، وما ازدهرت به من حياة مكافحة وحياة فاضلة.
(مع العقاد في دراسته) أكتب هذا كله وبين يدي كتاب (فاطمة والفاطميون) للأستاذ عباس محمود العقاد، وقد جئته بشوق بالغ لأرى ما يكتب في موضوع الخصومة بين الخليفة والزهراء، وأنا على يقين من أن أيام التعبد (1) بأعمال السالفين