وليس في مبايعة الأوس لأبي بكر أو قول من قال: لا نبايع إلا عليا (1) مناقضة كتلك المناقضة، لأن المفهوم البديهي من تشكيل مؤتمر السقيفة أن مسألة الخلافة مسألة انتخاب لا نص، فليس إلى التراجع عن هذا الرأي في يوم إعلانه من سبيل.
وأما اعتراف المهاجرين بالأمر فلا حرج فيه لأن الأنصار لم يجتمعوا على رأي واحد في السقيفة وإنما كانوا يتذاكرون ويتشاورون، ولذا نرى الحباب بن المنذر (2) يحاول بث الحماسة في نفوسهم والاستمالة بهم إلى رأيه بما جلجل به في ذلك الاجتماع من كلام وهو يوضح أنهم جمعوا لتأييد فكرة لم يكن يؤمن بها إلا بعضهم.
وإذن فقد كان الأمام يقدر أنه سوف يدفع الحزب الحاكم إلى إنكار النصوص والاستبسال في هذا الإنكار إذا جاهر بها ولا يقف إلى جانبه حينئذ صف ينتصر له في دعواه، لأن الناس بين من قادهم الهوى السياسي إلى إنكار عملي للنص يسد عليهم مجال التراجع بعد ساعات، وبين من يرى أن فكرة النص تجعل من الخلافة وقفا على بني هاشم لا ينازعهم فيها منازع. وإذا سجلت الجماعة الحاكمة وأنصارها إنكارا للنص واكتفى الباقون بالسكوت في الأقل فمعنى هذا أن النص يفقد قيمته الواقعية وتضيع بذلك مستمسكات الإمامة العلوية كلها ويؤمن ا لعالم الإسلامي الذي كان بعيدا عن مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إنكار المنكرين لأنه منطق القوة الغالب في ذلك الزمان.