وإذن فقد كانت الثورة العلوية في تلك الظروف إعلانا لمعارضة دموية تتبعها معارضات دموية ذات أهواء شتى، وكان فيها تهيئة لظرف قد يغتنمه المشاغبون ثم المنافقون.
ولم تكن ظروف المحنة تسمح لعلي بأن يرفع صوته وحده في وجه الحكم القائم، بل لتناحرت ثورات شتى، وتقاتلت مذاهب متعددة الأهداف والأغراض، ويضيع بذلك الكيان الإسلامي في اللحظة الحرجة التي يجب أن يلتف فيها المسلمون حول قيادة موحدة، ويركزوا قواهم لصد ما كان يترقب أن تتمخض عنه الظروف الدقيقة من فتن وثورات.
إن عليا الذي كان على أتم استعداد لتقديم نفسه قربانا للمبدأ في جميع أدوار حياته (1) منذ أن ولد في البيت الإلهي وإلى أن قتل فيه، قد ضحى بمقامه الطبيعي ومنصبه الإلهي فهي سبيل المصالح العليا التي جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيا عليها وحارسا لها.
ولفقدت بذلك الرسالة المحمدية الكبرى بعض معناها، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أمره ربه بتبليغ دعوته والأنذار برسالته جمع بني عبد المطلب وأعلن عن نبوته بقوله: (إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به). وعن إمامة أخيه بقوله: (إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا) (2) ومعنى ذلك أن إمامة علي تكملة طبيعية لنبوة