أخرى، وينال من رواتها بقوارص طورا، وينهى راويها عن الرواية بلسان بذي بكل شدة وحدة، إلى أشياء من مظاهر الهزء والسخرية (1) فما ظنك بمن هذا شأنه مع - السنة الشريفة؟ فهل تذعن له إنه يعبأ بها ويحتج بها في موارد الحاجة، ويأخذها مدركا عند عمله؟ أو ينبذها وراء ظهره؟ كما فعل ذلك في موارده ومصادره كلها.
وإن حداثة عهد معاوية بالاسلام وأخذه بالروايات بعد كل ما قدمناه، وما كان يلهيه عن الاصاغة إليها طيلة أيامه من كتابة وإمارة وملوكية، وإن حياته في دور الاسلام كلها كانت مستوعبة بظروب السياسة وإدارة شؤون الملك والنزاع والمخاصمة دونه، فمتى كان يتفرغ لأخذ الروايات وتعلم السنن؟ ثم من ذا الذي أخذ عنه السنة؟ والصحابة جلهم في منتأى عن مبائته " الشام " ولم يكن معه إلا طليقا أعرابيا، أو يمانيا مستدرجا، وهو يسيئ ظنه بجملة الصحابة المدنيين حملة الأحكام ونقلة الأحاديث النبوية ويقول بملأ فمه: إنما كان الحجازيون هم الحكام على الناس والحق فيهم، فلما فارقوه كان الحكام على الناس أهل الشام (2) وعلى أثر ظنه السيئ وقوله الآثم كان يمنع هو وأمراءه عن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما يظهر مما أخرجه الحاكم في المستدرك 4: 486 من قول عبد الله بن عمرو بن العاص لما قاله نوف: أنت أحق بالحديث مني أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله: إن هؤلاء قد منعونا عن الحديث يعني الأمراء. وجاء في حديث: إن معاوية أرسل إلى عبد الله بن عمر فقال: لئن بلغني إنك تحدث لأضربن عنقك (3).
وعلى ذلك الظن أهدر دماء بقية السلف الصالح، وبعث بسر بن أرطاة إلى المدينة الطيبة فشن الغارة على أهلها، فقتل نفوسا بريئة، وأراق دماء زكية، واقتص أثره من بعده جروه يزيد في واقعة الحرة، ومن يشابه أبه فما ظلم.
نظرة في أحاديث معاوية إن لنا حق النظر في شتى مناحي رواياته، لقد أخرج عنه أحمد في مسنده في الجزء الرابع ص 91 - 102 مائة وستة أحاديث وفيها من المكرر.