وأما مؤدى هذه الروايات الثلاث فكبقية أخبار الملاحم، لا يستنتج منها مدح لصاحبها أو قدح، إلا إذا قايسناها بأعمال معاوية المبائنة لها في الخارج، المضادة لما جاء فيها من العهد والوصية، فلم يكن ممن ملك فأحسن، ولا ممن ولي فاتقى وعدل، ولا ممن قبل من محسن، وعفى عن مسئ، فماذا عسى أن يجديه مثل هذه البشائر - وليست هي ببشائر بل إقامة حجة عليه وهو غير متصف بما أمر به فيها؟ وكل ما ناء به في منتئ عن الاحسان والعدل والتقوى، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعلم أنه لا يعمل بشئ من ذلك لكنه أراد إتمام الحجة عليه على كونها تامة عليه بعمومات الشريعة وإطلاقاتها، فأين هي من - التبشير بأن ما يليه من الملك العضوض ملوكية صالحة، فضلا عن الخلافة عن الله ورسوله صلى الله عليه وآله؟ وقد جاء عنه صلى الله عليه وآله في ذلك الملك قوله: إن فيه هنات وهنات وهنات (1) وقوله صلى الله عليه وآله: يا معاوية! إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم (2) إلى كلمات أخرى فيه وفي ملكه.
ولو كان ابن حجر ممن يعرف لحن الكلام ومعاريض المحاورات، ولم يكن في أذنه وقر، وفي بصره عمى؟ لعلم أن الروايات المذكورة بأن تكون ذموما لمعاوية أولى من أن تكون مدائح له لما قلناه، وإلا لما أمر صلى الله عليه وآله بقتله إذا رأي على منبره، ولما أعلم الناس بأنه وطغمته هم الفئة الباغية المتولية قتل عمار، ولما رآه وحزبه من القاسطين الذين يجب قتالهم، ولما أمر خليفته حقا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بقتاله، ولما حث صحابته العدول بمناضلته ومكاشفته، ولما ولما...
ولو كانت هذه الروايات صادقة، وكانت بشائر، وقد عرفتها صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله كذلك، فلما ذا كان ذلك اللوم والتأنيب له من وجوه الصحابة؟ لما منته هواجسه بتسنم عرش الخلافة، والاقعاء على صدر دستها، وليس ذلك إلا من ناحية إدعائه ما ليس له، وطمعه فيما لم يكن له بحق، ونزاعه في أمر ليس للطلقاء فيه نصيب.
هذه عمدة ما جاء به ابن حجر في الدفاع عن معاوية، وأما بقية كلامه المشوه بالسباب المقذع فنمر بها كراما، إقرأ واحكم.