وأعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، ولا تعقد معهم الإمامة، ولا يدخلون في الشورى، وقد بعثت إليك وإلى من قبلك جرير بن عبد الله البجلي، وهو من أهل الإيمان والهجرة، فبايعه، ولا قوة إلا بالله.
قدم جرير على معاوية بكتاب علي، فلما أبطأ عليه معاوية برأيه استحثه بالبيعة، فقال له معاوية: يا جرير! إن البيعة ليست بخلسة، وإنه أمر له ما بعده، فأبلعني ريقي، ودعا أهل ثقته فاستشارهم، فقال له أخوه عتبة: إستعن على هذا الأمر بعمرو بن العاص، فإنه من قد عرفت، فكتب معاوية إلى عمرو، وهو بفلسطين:
أما بعد: فقد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في نفر من أهل البصرة، وقدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي، وقد حبست نفسي عليك، فأقدم على بركة الله، أذاكرك أمورا لا تعدم صلاح مغبتها إن شاء الله.
فقال معاوية لجرير: إني قد رأيت رأيا، قال جرير: هات. قال: اكتب إلى علي أن يجعل لي الشام ومصر جباية، فإن حضرته الوفاة لم يجعل لأحد من بعده في عنقي بيعة، وأسلم إليه هذا الأمر، وأكتب إليه بالخلافة. قال جرير: اكتب ما شئت. فكتب إلى علي يسأله ذلك، فلما أتى عليا كتاب معاوية عرف إنها خدعة منه، وكتب إلى جرير بن عبد الله:
أما بعد: فإن معاوية إنما أراد بما طلب ألا يكون لي في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحب، وأراد أن يرثيك ويبطئك حتى يذوق أهل الشام، وقد كان المغيرة بن شعبة أشار علي وأنا بالمدينة أن أستعمله على الشام، فأبيت ذلك عليه (1) ولم يكن الله ليراني أن أتخذ المضلين عضدا، فإن بايعك الرجل وإلا فأقبل، والسلام. (2) ولما فشا كتاب معاوية في العرب كتب إليه أخو عثمان لأمه الوليد بن عقبة:
معاوي إن الشام شامك فاعتصم * بشامك، لا تدخل عليك الأفاعيا وحام عليها بالصوارم والقنا * ولا تك موهون الذراعين وانيا وإن عليا ناظر ما تجيبه * فأهد له حربا تشيب النواصيا