لا تعارضه البرهنة، ولا يفنده المنطق غير أمرين أراد بهما تلويثا لساحة قدس الإمام وإن كان هو كشف عن عورته ساعد عرف الناس كذبه في الأمرين جميعا.
الأول: نسبة الالحاد إليه سلام الله عليه وإنه لا يصلي، هذا وقد وضح الاسلام بسيفه، وقامت الصلاة بأيده، يموه بذلك على الرعرعة الدهماء من الشاميين.
قال الجاحظ: إن معاوية كان يقول في آخر خطبته: اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك، وصد عن سبيلك، فالعنه لعنا وبيلا، وعذبه عذابا أليما. وكتب بذلك إلى الآفاق فكانت هذه الكلمات يشاد بها على المنابر إلى أيام عمر بن عبد العزيز. (1) وأخرج ابن مزاحم أن يوم صفين برز شاب من عسكر معاوية يقول:
أنا ابن أرباب الملوك غسان * والدائن اليوم بدين عثمان أنبأنا أقوامنا بما كان * إن عليا قتل ابن عفان ثم شد فلا ينثني يضرب بسيفه، ثم جعل يلعن عليا ويشتمه ويسهب في ذمه، فقال له هاشم المرقال: إن هذا الكلام بعده الخصام، وإن هذا القتال بعده الحساب، فاتق الله فإنك راجع إلى ربك فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به، قال: فإني أقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلي كما ذكر لي، وإنكم لا تصلون، وأقاتلكم أن صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم وازرتموه على قتله. فقال له هاشم: وما أنت وابن عفان؟ إنما قتله أصحاب محمد وقراء الناس، حين أحدث أحداثا وخالف حكم الكتاب، وأصحاب محمد هم أصحاب الدين، وأولى بالنظر في أمور المسلمين. وما أظن أن أمر هذه الأمة ولا أمر هذا الدين عناك طرفة عين قط. قال الفتى: أجل أجل، والله لا أكذب فإن الكذب يضر ولا ينفع، ويشين ولا يزين. فقال له هاشم: إن هذا الأمر لا علم لك به، فخله وأهل العلم به. قال:
أظنك والله قد نصحتني. وقال له هاشم: وأما قولك: إن صاحبنا لا يصلي فهو أول من صلى مع رسول الله، وأفقهه في دين الله، وأولاه برسول الله، وأما من ترى معه فكلهم قارئ الكتاب، لا ينامون الليل تهجدا، فلا يغررك عن دينك الأشقياء المغرورون. قال الفتى: يا عبد الله إني لأظنك امرءا صالحا، وأظنني مخطئا آثما، أخبرني هل تجد لي من توبة؟ قال: نعم، تب إلى الله يتب عليك، فإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات