من أشراف الكوفة: ألا تسمعون؟ فوثبوا عليه بحضرة سعيد فوطؤه وطأ عنيفا وجروا برجله، فغلظ ذلك على سعيد وأبعد سماره، فلم يأذن بعد لهم فجعلوا يشتمون سعيدا في مجالسهم ثم تعدوا ذلك إلى شتم عثمان، واجتمع إليهم ناس كثيرا حتى غلظ أمرهم فكتب سعيد إلى عثمان في أمرهم فكتب إليه أن يسيرهم إلى الشام لئلا يفسدوا أهل الكوفة وكتب إلى معاوية وهو والي الشام: إن نفرا من أهل الكوفة قد هموا بإثارة الفتنة وقد سيرتهم، إليك، فانههم فإن آنست منهم رشدا فأحسن إليهم وارددهم إلى بلادهم.
فلما قدموا على معاوية، وكانوا: الأشتر، ومالك بن كعب الأرحبي، والأسود بن يزيد النخعي، وعلقمة بن قيس النخعي، وصعصعة بن صوحان العبدي، وغيرهم جمعهم يوما وقال لهم:
إنكم قوم من العرب ذووا أسنان وألسنة وقد أدركتم بالاسلام شرفا وغلبتم الأمم وحويتم مواريثهم، وقد بلغني أنكم ذممتم قريشا، ونقمتم على الولاة منها، ولولا قريش لكنتم أذلة إن أئمتكم لكم جنة فلا تفرقوا عن جنتكم، إن أئمتكم ليصبرون على الجور ويحتملون فيكم العتاب، والله لتنتهين أو ليبتلينكم الله بمن يسومكم الخسف ولا يحمدكم على الصبر ثم تكون شركاؤهم فيما جررتم عليه الرعية في حياتكم وبعد وفاتكم.
فقال له صعصعة بن صوحان: أما قريش فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية، وإن غيرها من العرب لأكثر منها وأمنع.
فقال معاوية: إنك لخطيب القوم ولا أرى لك عقلا وقد عرفتكم الآن، وعلمت أن الذي أغراكم قلة العقول، أعظم عليكم أمر الاسلام فتذكروني الجاهلية، أخزى الله قوما عظموا أمركم، إفقهوا عني ولا أظنكم تفقهون: إن قريشا لم تعز في جاهلية ولا في الاسلام إلا بالله وحده، لم تكن بأكثر العرب ولا أشدها ولكنهم كانوا أكرمهم أحسابا، وأمحضهم أنسابا، وأكملهم مروءة، ولم يمتنعوا في الجاهلية والناس تأكل بعضهم بعضا إلا بالله، فبوأهم حرما آمنا يتخطف الناس من حولهم، هل تعرفون عربا أو عجما أو سودا أو حمرا؟ إلا وقد أصابهم الدهر في بلدهم وحرمهم إلا ما كان من قريش، فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيد إلا جعل الله خده الأسفل حتى أراد الله تعالى أن يستنقذ