والإمام أمير المؤمنين قد أتم الحجة يوم الجمل على طلحة بما أسلفناه في الجزء الأول ص 186، 187 ط 2، وعلى الزبير بما مر في ج 3 ص 191 ط 2 وما قاتلهما إلا بعد إقامة الحجة عليهما، ودحض أعذارهما المفتعلة، فما وجدهما مخبتين إلى الحق مصيخين إلى ما اعترفا به من قول رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم وكان موقفهما موقف المستهزء اللاعب بالدين الحنيف، جاء رجل إلى طلحة والزبير وهما في المسجد بالبصرة فقال: نشدتكما بالله في مسيركما أعهد إليكما فيه رسول الله شيئا؟ فقام طلحة ولم يجبه، فناشد الزبير فقال: لا، ولكن بلغنا أن عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها (1).
ولما بايع أهل البصرة الزبير وطلحة قال الزبير: ألا ألف فارس أسير بهم إلى علي فإما بيته وإما صبحته لعلي أقتله قبل أن يصل إلينا؟ فلم يجبه أحد. فقال: إن هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها. فقال له مولاه: أتسميها فتنة وتقاتل فيها؟ قال:
ويحك إنا نبصر ولا نبصر، ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدمي فيه غير هذا الأمر فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر. (2) وقد تحقق يوم ذاك ما كان يحذر منه عمر بن الخطاب وصدق الخبر الخبر، قال عبد الله بن عمر: جاء الزبير إلى عمر فقال لعمر: إئذن لي أخرج فأقاتل في سبيل الله.
قال: حسبك قد قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق الزبير وهو يتذمر فقال عمر:
من يعذرني من أصحاب محمد صلى الله وعليه وسلم؟ لولا أني أمسك بفم هذا الشغب لأهلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم (3) اللهم ما كان ذنب حكيم بن جبلة وسبعين أبرياء آخرين من عبد القيس قتلهم طلحة والزبير قبل وقوع الواقعة بعد ما نادى مناديهما بالبصرة: ألا من كان فيهم من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأت بهم فجئ بهم كما يجاء بالكلاب فقتلوا. قال: حكيم بن جبلة لقد أصبحتم وإن دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم من إخواننا، أما تخافون الله عز وجل؟ بما تستحلون سفك الدماء؟ قال ابن الزبير: بدم عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: فالذين قتلتموهم قتلوا عثمان؟ أما تخافون مقت الله؟ فقال له عبد الله بن الزبير: