الحاج، فلم يعرض لشئ من شأنه ولا للزوم الدفاع عنه، وما ذلك إلا لاصفاقه مع المجهزين عليه في الرأي وإلا لكان من واجبه الحث على الذب عنه، وبيان وجوب إغاثته، وملأ سمعه هذا الحديث الذي عزي إليه وملأ فيه روايته - وحاشاه عن راويته - وكأن الحضرة النبوية نصب عينيه يتلقى فيه الرواية، وهو الذي يقتضيه عدله وتقواه.
وهناك شاهد آخر لعدم إخباته إلى مضمون هذه الرواية وهو إنه لما بعثه عثمان أميرا على الحاج لقيته عائشة في بعض المنازل فقالت له: يا ابن عباس! إن الله قد آتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية (1) تعني عثمان، فلم يبد ابن عباس لها تجاه تلك الشدة تجهما ولا قولا لينا كمن يوافقها على النزعة، كما رد عليها في حثها على عدم التخذيل عن طلحة وجنوحها إلى توليه الأمر، فلو كان ابن عباس يعرف في شأن عثمان شيئا من هذه الرواية لرواه لها واتخذه مستندا في الدفاع عنه، فجامع القول إن الحبر لم يسمع مما تقول عليه شيئا، وإنما هو من مواليد العهد الأموي بعد عهد ابن عباس.
وليس من المستسهل الكشف عن إمارة المخذولين يوم القيامة، كما أن من المستصعب جدا عرفان أعيانهم وأشخاصهم، أفيهم أولئك الصفوة الأبرار من الصحابة والتابعين أمثال أبي ذر وعمار وابن مسعود ومالك الأشتر وزيد وصعصعة ابني صوحان وكعب بن عبدة وعامر بن قيس وآخرين من صلحاء المدينة والكوفة والبصرة الذين خذلهم عثمان وأبناء بيته؟.
ولعل في المخذولين الحكم ومروان وآلهما وعبد الله بن أبي سرح وأبا سفيان وولده وأضرابهم الذين خذلهم الاسلام وآواهم عثمان وعزرهم وسلطهم على صلحاء الأمة من الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان.
ونحن على يقين من أن الشفاعة المزعومة التي لا تصدقها سيرة عثمان ولا تساعدها البرهنة ويضادها نداء الكتاب الكريم إن حققت تدنس ساحة الجنة المقدسة بإدخال عثمان أرجاس آل أمية فيها كما يعرب عنه قوله الثابت المذكور في الجزء الثامن ص 291 ط 2: لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم.