فكأنه ما كان يرى للعهد لزوما، ولا للضمان حرمة، ولا للضامنين مكانة، ولا لنكث العهد معرة، ولعله كان يجد مبررا لتلكم الفجايع أو الفصايح، وعلى أي فالمسلمون " ويقدمهم الصحابة العدول " لم يرقهم ذلك المبرر ولا اعترفوا به، فمضوا إلى ما فعلوه قدما غير متحوبين ولا متأثمين.
الرابع: إن التزامه في كتاب عهده في الحصار الأول بالعمل بالكتاب والسنة وهو في حيز النزوع عما كان يرتكبه قبل ذلك، وقد أعتب بذلك المتجمهرين عليه المنكرين على أحداثه المنحازة عنهما، يرشدنا إلى أنه كان في أعماله قبل ذلك الالتزام محيد عن الكتاب والسنة، وحسب أي إنسان من الضعة أن تكون أعماله منتئية عنهما الخامس: إن الطريد بن الطريد، أو قل عن لسان النبي الأمين (1): الوزغ ابن الوزع، اللعين ابن اللعين، مروان بن الحكم كان يؤثر في نفسيات الخليفة حتى يحوله " كما قال مولانا أمير المؤمنين (2) " عن دينه وعقله، ويجعله مثل الظعينة يقاد حيث يسار به.
فلم يزل به حتى أربكه عند منتقض العهود ومنتكث المواثيق، فأورده مورد الهكة، وعجيب من الخليفة أن يتأثر بتسويلات الرجل وهو يعلم محله من الدين وموقفه من الإيمان، ومبوأه من الصدق والأمانة، وهو يعلم أنه هو وزبانيته هم الذين جروا عليه الويلات وأركبوه النهابير، وأنهم سيوردونه ثم لا يصدرونه، يعلم ذلك كله وهو بين الناب والمخلب وفي منصرم الحياة، ومع ذلك كله لا يزال مقيما على هاتيك الوساوس المروانية، فيا للعجب.
وأعجب من ذلك أنه مع هذا التأثر يتخذ نصح الناصحين له كمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وكثير من الصحابة العدول باعتاب الناس ورفض تمويهات مروان الموبقة له ظهريا فلا يعير لهم بعد تمام الحجة وقطع سبل المعاذير أذنا واعية، وهو يعلم أنهم لا يعدون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدعونه إلى ما فيه نجاته ونجاح الأمة.
* (لفت نظر) * وقع في عد أيام حصار عثمان خلاف بين المؤرخين فقال الواقدي:
حاصروه تسعة وأربعين يوما. وقال الزبير: حاصروه شهرين وعشرين يوما. وفي رواية: