منها صحيفة في الكعبة هلال المحرم سنة سبع من النبوة وكان اجتماعهم بخيف بني كنانة وهو المحصب فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب ودخلوا معه في الشعب إلا أبا لهب فكان مع قريش فأقاموا على ذلك سنتين وقيل ثلاث سنين وإنهم جهدوا في الشعب حتى كانوا يأكلون الخبط وورق الشجر.
قال ابن كثير: كان أبو طالب مدة إقامتهم بالشعب يأمره صلى الله عليه وسلم فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه من أراد به شرا وغائلة فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوانه أو بني عمه أن يضطجع على فراش المصطفى صلى الله عليه وسلم ويأمر هو أن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليها.
ثم إن الله تعالى أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن الأرضة أكلت جميع ما في الصحيفة من القطيعة والظلم فلم تدع سوى اسم الله فقط فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب بذلك فقال: يا ابن أخي! أربك أخبرك بهذا؟ قال نعم. قال: والثواقب ما كذبتني قط فانطلق في عصابة من بني هاشم والمطلب حتى أتوا المسجد فأنكر قريش ذلك وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو طالب: يا معشر قريش جرت بيننا وبينكم أمور لم تذكر في صحيفتكم فأتوا بها لعل أن يكون بيننا وبينكم صلح، وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا فيها قبل أن يأتوا بها فأتوا بها وهم لا يشكون أن أبا طالب يدفع إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعوها بينهم وقبل أن تفتح قالوا لأبي طالب: قد آن لكم أن ترجعوا عما أحدثتم علينا وعلى أنفسكم؟ فقال: أتيتكم في أمر هو نصف بيننا وبينكم إن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني: إن الله قد بعثت على صحيفتكم دابة فلم تترك فيها إلا اسم الله فقط، فإن كان كما يقول؟ فأفيقوا عما أنتم عليه، فوالله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا. وإن كان باطلا دفعناه إليكم فقتلتم أو استحييتم؟ فقالوا: رضينا. ففتحوها فوجدوها كما قال صلى الله عليه وسلم. فقالوا: هذا سحر ابن أخيك وزادهم ذلك بغيا وعدوانا.
وإن أبا طالب قال لهم بعد أن وجدوا الأمر كما أخبر به صلى الله عليه وسلم: علام نحصر ونحبس وقد بان الأمر وتبين أنكم أولى بالظلم والقطعية؟ ودخل هو ومن معه بين أستار الكعبة وقال: اللهم انصرنا على من ظلمنا، وقطع أرحامنا، واستحل ما يحرم عليه منا.
وعند ذلك مشت طائفة من قريش في نقض تلك الصحيفة فقال أبو طالب: