أبو بكر يوم ذاك ابن ست أو تسع سنين: فأين كان هو؟ وماذا كان يصنع بالشام؟ وأي اختيار كان له بين شيوخ قريش؟ ولم تكن تنعقد نطفة بلال يوم ذاك أخذا بقول من قال:
إنه توفي سنة 25 وله بضع وستون سنة (1) أو إنه ولد في تلكم السنين أخذا بقول ابن الجوزي في الصفوة 1 ص 174 من أنه مات سنة عشرين وهو ابن بضع وستين سنة. كأن أبو بكر ولد وهو شيخ وبلال عتيقه، وكان معه من أول يومه، وكان من يوم ولد له الحل والعقد.
ثم أي بيعة كانت يوم ذاك؟ وما معنى قول أبي موسى الأشعري: فبايعوه و أقاموا معه عنده؟ وأي إيمان وإسلام على زعم رواة هذه الأفيكة، وكان قبل البعثة بإحدى وثلاثين سنة، أو ثمانية وعشرين عاما، أو اثنين وعشرين، أو سبعة عشرة سنة على زعم النووي؟ ولم تكن للنبي صلى الله عليه وآله يومئذ دعوة، ولا كلف أحدا بالإيمان به، فلا يقال لمن عرف شيئا من إرهاصات النبوة إنه أسلم يوم عرف وإلا لكان " بحيرا " الراهب و " نسطور " وأمثالهما من الرهبان والكهنة أقدم إسلاما من أبي بكر، وكم هنالك أناس عرفوا أمر الرسالة قبلها وبشروا بها ثم بعد البعثة عاندوا وحسدوا، فمنهم من مات مشركا، ومنهم من أدركته الهداية بعد حين كما يأتي في كعب الأحبار بعيد هذا. و كيف أثبت ذلك اليوم إيمانا لأبي بكر وصار بذلك أقدم الناس إسلاما ولم يثبت لأبي طالب لا ذاك ولا غيره؟ وأبو موسى لم يستثن أبا طالب من أولئك الذين بايعوا يوم ذاك نظراء أبي بكر وبلال الخيالي.
قال الحافظ الدمياطي: في هذا الحديث وهمان: الأول: قوله: فبايعوه وأقاموا معه. والثاني: قوله: وبعث معه أبو بكر بلالا. ولم يكونا معه، ولم يكن بلال أسلم لا ملكه أبو بكر، بل كان أبو بكر حينئذ لم يبلغ عشر سنين، ولم يملك أبو بكر بلالا إلا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين سنة وكذا ضعفه الذهبي (2).
وقال الزركشي في الإجابة ص 50: هذا من الأوهام الظاهرة لأن بلالا إنما اشتراه أبو بكر بعد مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد أن أسلم بلال وعذبه قومه ولما خرج