فرغوا خرج إلي ذلك الشاب وأخذ بيدي ومضى بي إلى تلك الدار فأدخلني فيها و وضع بين يدي طعاما، ولما فرغنا قام الشاب وفتح علي بابا على بيت في الدار وجعل يبكي فقمت لأنظر ما سبب بكائه فرأيت في البيت قردا مربوطا فسألته عن قضيته فزاد بكاء فسكنته حتى سكن، فقلت له: بالله أخبرني عن حالك فقال: إن حلفت لي أن لا تخبر أحدا من أهل المدينة أخبرتك، فحلفت له، فقال: اعلم أنه أتانا في عام أول رجل و طلب في محبة أبي بكر رضي الله عنه شيئا في قبة العباس يوم عاشوراء فقام إليه أبي و كان من أكابر الإمامية والشيعة فقال له: اجلس حتى نفرغ. فلما فرغوا أتى به إلى هذه الدار وسلط عليه عبدين فضرباه، وأمر بقطع لسانه فقطع، وأخرجه فمضى لسبيله ولم نعرف له خبرا، فلما كان الليل ونمنا صرخ أبي صرخة عظيمة فاستيقظنا من شدة صرخته فوجدناه قد مسخه الله قردا ففزعنا منه وأدخلناه هذا البيت وربطناه، وأظهرنا للناس موته وهو ذا نبكي عليه بكرة وعشيا. فقلت له: إذا رأيت الذي قطع أبوك لسانه تعرفه؟ قال: لا والله فقلت: أنا هو والله، أنا الذي قطع أبوك لساني، وقصصت عليه القصة فأكب علي يقبل رأسي ويدي ثم أعطاني ثوبا ودينارا وسألني كيف رد الله علي لساني؟ فأخبرته وانصرفت.
مصباح الظلام للجرداني ص 23 من الطبعة الرابعة المصرية المطبوعة بمطبعة الرحمانية بمصر سنة 1347 ه، ونزهة المجالس للصفوري 2 ص 195.
قال الأميني: ما أحوج القوم إلى اختلاق هذه الأساطير المشمرجة وهي لا يصدقها أي قار وباد مهما يقرها قصاص في أذنيه ولا يصير بها الأمر إلى قراره مهما حبكت نسقه يد الإفك وأبدعت في نسجه مهرة الافتعال.
أنى يصدق ذو مسكة بأن رجلا شهيرا يعد من علية قوم ومن أكابر أمة تمسخ ويربط في داره وهو بعد مجهول لا يعرف اسمه، ولا ينبئ عنه خبير، و يسع لخلفه إخفاء أمره بدعوى موته، ولم يسأل أهله عن تجهيزه وتشييعه ودفنه ومقبره وسبب موته، وتتأتى لولده الغشية عليها عن أعين الناس وأسماعهم كأن في آذانهم صمما وفي أبصارهم عمى.
ولماذا أخذه ابن الجاني - الذي لم يخلق بعد لا هو ولا أبوه ضيفه إلى والده