جذع يبن على المذاكي القرح (2).
وكان الصاحب يعجب به أشد الاعجاب، ويروقه مستحسن شعره المجانس لحسن روائه، ومناسبة روحه وشمائله خفة وظرفا، وقد اصطنعه لنفسه واختاره للسفارة بينه وبين العمال والأمراء فكان يمثله في رسالاته أحسن تمثيل، فيملأ العيون جمالا، والقلوب كمالا، وقد أطراه أبلغ إطراء فيما كتبه إلى أبي العباس الضبي [أحد شعراء الغدير] بإصبهان واستحثه على إكرامه وجلب مراضيه والكتاب مذكور في (اليتيمة) ج 4 ص 26 وها نحن نأخذ منه لبابه قال: فإن يقل مولاي: من ذا الذي هذا خطبه وهذه خطته؟! أقل: من فضله برهان حق، وشعره لسان صدق، و من أطبق أهل جلدته على أنه معجزة بلدته، فلا يعد لجرجان بعيدا ولا قريبا، أو لأختها طبرستان قديما ولا حديثا مثله، ومن أخذ برقاب النظم أخذه، وملك رق القوافي ملكه، ذاك على اقتبال شبابه وريعان عمره، وقبل أن تحدثه الآداب، وقبل جري المذكيات غلاب - أبو الحسن الجوهري - أيده الله، وبناؤه منذ حين وخصوصه بي كالصبح المبين، إلا أن لمشاهدة الحاضر ومعاينة الناظر، مزية لا يستقصيها الخبر، وإن امتد نفسه وطال عنانه ومرسه، وقد ألف إلى هذه الفضيلة التي فرع بينها، وأوفى على ذوي التجربة والتقدمة فيها نفاذا في أدب الخدمة، ومعرفة بحق الندام والعشرة، و قبولا يملأ به مجلس الحفلة، إنصاتا للمتبوع إلا إذا وجب القول، وإعظاما للمخدوم إلا إذا خرج الأمر، وظرفا يشحن مجلس الخلوة، وحديثا يسكت به العناد، ويطاول البلابل، فإن اتفق أن يفسح له الفارسية نظما ونثرا طفح آذيه، وسال آتيه، فالسنة أهل مصره إلا الأفراد بروق إذا وطئوا أعقاب العجم، وقيود إذا تعاطوا لغات العرب، حتى أن الأديب منهم المقدم والعليم المسوم يتلعثم إذا حاضر بمنطقه كأنه لم يدر من عدنان، ولم يسمع من قحطان، ومن فضول أخينا أو فضله أنه يدعي الكتابة، ويدارس البلاغة، ويمارس الانشاء، ويهذي فيه ما شاء، وكنت أخرجته إلى ناصر الدولة أبي