(ح) الغامضة، والروايات الكثيرة المتضاربة المختلفة، والمساجلات الأدبية والشعرية، وأثرها في خدمة المبادئ العلوية الشريفة، وكذلك أمعنت النظر في ما نقله صاحب [الغدير] وأحاط به من الآراء العلمية السديدة في التفسير والتأويل لنصوص الذكر الحكيم، والحكمة المحمدية العالية، تلك الآراء والنظرات الصائبة التي كشف الغطاء وزاحت الستار عن كثير من الحقائق المطموسة، والأسرار المحجوبة في شأن يوم الغدير، وقد كان فضيلته في كل ذلك موفقا أعظم التوفيق في تنبيه الأفكار، وتنوير الأذهان، وإرشاد الحائرين إلى معرفة تلك الحقائق التأريخية، وإدراك كنه الحكمة التشريعية في قصة الغدير، وما يتصل بها من مقدمات خطيرة محزنة، ونتائج كبيرة مؤلمة، لا تزال مدعاة للتأمل العميق، والعبرة البالغة في التأريخ الاسلامي وسجيل القومية العربية.
لم يكن العلامة مؤلف كتاب (الغدير) أول من كتب وألف في " الغدير " فقد سبقه إلى ذلك كثير من العلماء الأعلام، وجملة كبيرة من كبار الأدباء وحملة الأقلام إلا أنهم مع الاعتراف بغزارة فضلهم، وعلو كعبهم في الأدب والعلم، فلم يتمكنوا من إزاحة العلة، وشفاء الغلة، ولم يتوصلوا إلى ما وصل إليه العلامة الأميني من تحقيق وتدقيق وتمحيص، بنتيجة جلده الجبار في البحث والاستقصاء وصبره العتيد على التعمق في الاستقراء والاستنتاج، ومن ثم بلوغه إلى إصابة الهدف وتقرير الحقيقة، وإبرازها سافرة ناصعة، مما دل على شدة مراسيه، وعنته في جميع الأدلة التاريخية القوية، وإقامة البراهين العلمية الساطعة، وسوق الحجج العقلية والنقلية والأدبية لإثبات دعم موضوعه الخطير في الغدير، وهو ذلك قد أبطل المثل الساير - ما ترك الأوائل للأواخر من شئ وأراد أن يثبت للقراء بأن الأواخر قد أتوا بما لا تسطعه الأوائل من ابتكار ومعجزات في العلوم والفنون.
لا أغالي في القول إذا قلت: إن كتاب [الغدير] ما هو إلا موسوعة نادرة في العلم والفن والتاريخ والتراجم، وروضة بهيجة أنيقة ساحرة بالطرف الأدبية الزاهرة، وهو فوق ذلك فإنه دائرة معارف جليلة مهمة، حافلة بكثير من الآراء الدينية السديدة، التي تطمئن إليها النفوس الزائغة الحائرة الغارقة في حنادس الجهالة،