زنا بعد إحصان ولا ارتد فيسوغ المحاربة تأويل، بل هم فساق محاربون سافكون دما حراما عمدا بلا تأويل على سبيل الظلم والعدوان، فهم فساق ملعونون. إنتهى.
لم أجد معنى لاجتهاد أبي الغادية (بالمعجمة) وهو من مجاهيل الدنيا، وأفناء الناس، وحثالة العهد النبوي، ولم يعرف بشئ غير أنه جهني، ولم يذكر في أي معجم بما يعرب عن اجتهاده، ولم يرو منه شئ من العلم الإلهي سوى قول النبي صلى الله عليه وآله: دمائكم وأموالكم حرام. وقوله: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يتعجبون من أنه سمع هذا ويقتل عمارا (1) ولم يفه أي أحد من أعلام الدين إلى يوم مجيئ ابن حزم باجتهاد مثل أبي الغادية.
ثم لم أدر ما معنى هذا الاجتهاد في مقابل النصوص النبوية في عمار، ولست أعني بها قوله صلى الله عليه وآله في الصحيح الثابت المتواتر (2) لعمار: تقتلك الفئة الباغية وفي لفظ: الناكبة عن الطريق. وإن كان لا يدع مجالا للاجتهاد في تبرير قتله، فإن قاتله مهما تأول فهو عاد عليه ناكب عن الطريق، ونحن لا نعرف اجتهادا يسوغ العدوان الذي استقل العقل بقبحه، وعاضده الدين الإلهي الأقدس. وإن كان أوله معاوية أورده لما حدث به عبد الله بن عمرو وقال عمرو بن العاص: يا معاوية؟
أما تسمع ما يقول عبد الله؟ بقوله:
إنك شيخ أخرق، ولا تزال تحدث بالحديث، وأنت ترحض في بولك، أنحن قتلناه؟ إنما قتله علي وأصحابه جاؤوا به حتى ألقوه بين رماحنا. (3) وبقوله: أفسدت علي أهل الشام، أكل ما سمعت من رسول الله تقوله؟ فقال عمرو: قلتها ولست أعلم الغيب، ولا أدري أن صفين تكون، قلتها وعمار يومئذ لك ولي وقد رويت أنت فيه مثل ما رويت. ولهما في القضية معاتبة مشهورة وشعر منقول، منه قول عمرو:
تعاتبني إن قلت شيئا سمعته * وقد قلت لو أنصفتني مثله قبلي