وهذه كلها تنم عن غايته المتوخاة في قتل عمار واطلاعه ووقوفه على ما أخبر به النبي الأقدس في قاتل عمار، وعدم ارتداعه ومبالاته بقتله بعدهما، غير أنه كان بطبع الحال على رأي إمامه معاوية ويقول لمحدثي قول النبي بمقاله المذكور: إنك شيخ أخرق، ولا تزال تحدث بالحديث، وأنت ترحض في بولك.
وأنت أعرف مني بمغزى هذا الكلام ومقدار أخذ صاحبه بالسنة النبوية و اتباعه لما يروى عن مصدر الوحي الإلهي، وبأمثال هذه كان اجتهاد أبي الغادية فيما ارتكبه أو ارتبك فيه.
وغاية ما عند ابن حزم في قتلة عثمان: أن اجتهادهم في مقابلة النص: (لا يحل دم امرء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلث، الثيب الزاني ، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) (1) لكنه لا يقول ذلك في قاتل علي عليه السلام ومقاتليه وقاتل عمار، وقد عرفت أن الحالة فيهم عين ما حسبه في قتلة عثمان.
ثم إن ذلك على ما أصله هو في غير مورد لا يأدي إلا خطأ القوم في اجتهادهم فلم لم يحابهم الأجر الواحد كما حابى عبد الرحمن بن ملجم ونظرائه؟ نعم: له أن يعتذر بأن هذا قاتل علي وأولئك قتلة عثمان.
على أن نفيه المجال للاجتهاد هناك إنما يصح على مزعمته في الاجتهاد المصيب وأما المخطئ منه فهو جار في المورد كأمثاله من مجاريه عنده.
ثم إن الرجل في تدعيم ما ارتئاه من النظريات الفاسدة وقع في ورطة لا تروقه، ألا وهي سب الصحابة بقوله: فهم فساق ملعونون. وذهب جمهور أصحابه على تضليل من سبهم بين مكفر ومفسق، وإنه موجب للتعزير عند كثير من الأئمة بقول مطلق من غير تفكيك بين فرقة وأخرى أو استثناء أحد منهم، وهو إجماعهم على عدالة