* (الوجه الثالث) *: إن قوله تعالى: وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجار من السماء. نزلت عقيب بدر بالاتفاق قبل يوم الغدير بسنين.
* (الجواب) *: كأن هذا الرجل يحسب أن من يروي تلك الأحاديث المتعاضدة يرى نزول ما لهج به الحارث بن النعمان الكافر من الآية الكريمة السابق نزولها و أفرغها في قالب الدعاء، في اليوم المذكور، والقارئ لهاتيك الأخبار جد عليم بمينه في هذا الحسبان، أو أنه يرى حجرا على الآيات السابق نزولها أن ينطق بها أحد، فهل في هذه الرواية غير أن الرجل المرتد (الحارث أو جابر) تفوه بهذه الكلمات؟ وأين هو من وقت نزولها؟ فدعها يكن نزولها في بدر أو أحد. فالرجل أبدى كفره بها كما أبدى الكفار قبله إلحادهم بها. لكن ابن تيمية يريد تكثير الوجوه في إبطال الحق الثابت.
* (الوجه الرابع) *: إنها نزلت بسبب ما قاله المشركون بمكة ولم ينزل عليهم العذاب هناك لوجود النبي صلى الله عليه وسلم بينهم لقوله تعالى: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم.
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون.
* (الجواب) *: لا ملازمة بين عدم نزول العذاب في مكة على المشركين، وبين عدم نزوله ههنا على الرجل فإن أفعال المولى سبحانه تختلف باختلاف وجوه الحكمة، فكان في سابق علمه إسلام جماعة من أولئك بعد حين، أو وجود مسلمين في أصلابهم، فلو أبادهم بالعذاب النازل لأهملت الغاية المتوخاة من بعث الرسول صلى الله عليه وآله.
ولما لم ير سبحانه ذلك الوجه في هذا المنتكس على عقبه عن دين الهدى بقيله ذلك، ولم يكن ليولد مؤمنا كما عرف ذلك نوح عليه السلام من قومه فقال: ولن يلدوا إلا فاجرا كفارا. قطع جرثومة فساده بما تمناه من العذاب الواقع، وكم فرق بين أولئك الذين عومل معهم بالرفق رجاء هدايتهم، وتشكيل أمة مرحومة منهم ومن أعقابهم، مع العلم بأن الخارج منهم عن هاتين الغايتين سوف يقضى عليه في حروب دامية، أو يأتي عليه الخزي المبير، فلا يسعه بث ضلالة، أو إقامة عيث. وبين هذا الذي أخذته الشدة، مع العلم بأن حياته مثار فتن، ومنزع إلحاد، وما عساه يتوفق لهدايته، أو يستفاد بعقبه.
ووجود الرسول صلى الله عليه وآله رحمة تدرع العذاب عن الأمة، إلا أن تمام الرحمة