خدع الشيطان انتهى.
وأقول: وناهيك شدة اهتمام هذا البارع الورع المتين الذي هو أفقه فقهائنا المتأخرين بل المتقدمين، وفاز بالسعادة فلحق بالشهداء الأولين في أعلا عليين في إظهار هذا الحق المبين، مع أنه لم يكن متهما في ذلك بغرض من أغراض المبطلين إذ لم يكن يمكنه إقامتها في بلاد المخالفين.
وإني لم أطل الكلام في هذا المقام بايراد حجج الجانبين، ونقل كلمات القوم والتعرض لمدلولاتها، وإيراد الأخبار المذكورة في ساير الكتب، ولم أعمل في ذلك كتابا ولا رسالة، لظني أن الامر في هذه المسألة أوضح من أن يحتاج إلى ذلك.
وأيضا المنكرون لذلك إما علماء لهم أهلية الترجيح والنظر والاجتهاد، أو جهلة يتلبسون بلباس أهل العلم، لا لهم علم يمكنهم به التمييز بين الحق والباطل ولا ورع به يحترزون عن الافتراء على الله ورسوله، والقول بغير علم، أو جهال بحت يلزمهم تقليد العلماء:
فأما الفرقة الأولى، فان خلوا أنفسهم عن الاغراض الدنيوية، وبالغوا في الفحص والنظر، وتتبع مدارك الأدلة فأدى اجتهادهم إلى أحد الآراء المتقدمة، فلا حرج عليهم في الدنيا ولا في الآخرة، وإن قصروا في ذلك، فأمرهم إلى الله، وعلى أي حال الكتاب والرسالة لا ينفعان هذه الطائفة، وربما يصير سببا لمزيد رسوخهم في خطائهم، وإن أخطأوا.
وأما الفرقة الثانية فحالهم معلومة فإنهم في جل أعمالهم مبتدعون حائرون بائرون، ليس لهم علم يغنيهم، ولا يرجعون إلى عالم يفتيهم، وإنما هو تبع للدنيا وأهلها، ويختارون ما هو أوفق لدنياهم، فأي انتفاع لهم بالرسائل والزبر.
وأما الفرقة الثالثة فحكمهم بذل الجهد في تحصيل عالم رباني لا يتبع الهوى، ولا يختار على الآخرة الدنيا، وله تتبع تام في الكتاب والسنة، فالرسائل لا تنفعهم أيضا.