بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٤ - الصفحة ٣٢٦
وذوات الشناخيب الشم من صياخيدها، فسكنت من الميدان لرسوب الجبال في قطع أديمها وتغلغلها، متسربة في جوبات خياشيمها وركوبها أعناق سهول الأرضين و جراثيمها (1)، وفسح بين الجو وبينها، وأعد الهواء متنسما لساكنها، وأخرج إليها أهلها على تمام مرافقها، ثم لم يدع جرز الأرض التي تقصر مياه العيون عن روابيها، ولا تجد جداول الأنهار ذريعة إلى بلوغها حتى أنشأ لها ناشئة سحاب تحيي مواتها وتستخرج نباتها، ألف غمامها بعد افتراق لمعه، وتباين قزعه (2) حتى
(1) والشناخيب. جمع شنخوب - بالضم - أي رؤوس الجبال العالية. والشم:
المرتفعة العالية. والصياخيد جمع صيخود وهو الصخرة الشديدة. ورسب في الماء - كنصر -:
ذهب سفلا، وجبل راسب أي ثابت. والقطع - كعنب - جمع قطعة - بالكسر - وهي الطائفة من الشئ والمراد بأديمها سطحها. والتغلغل الدخول ومبالغة فيه. وتسرب الوحش وانسرب في حجره أي دخل. والجوبة: الحفرة. والخيشوم أقصى الانف وضمير " تغلغلها " للجبال و " خياشيمها " للأرض والمجاز ظاهر. والجرثومة: قيل التراب المجتمع في أصول الشجر ولعل المراد بجراثيمها المواضع المرتفعة منها. وركوب الجبال أعناق السهول: استعلاؤها عليها، وأعناقها: سطوحها.
(2) المتنسم: موضع التنسم، وهو طلب التنسم وفائدته ترويح القلب حتى لا يتأذى بغلبة الحرارة وفيه بقاء الحيوان. ومرافق الدار ما يستعان به ويحتاج إليه في التعيش. واخراج أهل الأرض على تمام مرافقها ايجادهم واسكانهم في الأرض بعد تهيئة ما يصلحهم لمعاشهم و التزود إلى معادهم، ومن جملة تلك المرافق سكون الأرض وكونها خارجة من الماء على حد خاص من الصلابة والرخاوة، غير صقيل يتأذى أهلها بانعكاس الأشعة، قابلة لانفجار وحفر الابار ونزول الأمطار وتكون المعادن وتولد أنواع الحيوانات والحياة بعد الموت حتى يتجدد فيه الحبوب والثمار والأعشاب ونحو ذلك مما لا يحصيه الا الله عز وجل - والراوبي جمع الرابية: ما ارتفع من الأرض.
والجدول النهر الصغير. والناشئة: ما ينشأ من السحاب أي يبتدى ظهوره. واللمعة - بالضم - في الأصل: قطعة من النبت. والقزع جمع قزعة - محركة فيهما - وهي القطعة من الغيم، وتباين القزع تباعدها. وتمخضت أي تحركت. والمخض تحريك السقاء الذي فيه لبن ليخرج زبده. والضمير في " فيه " راجع إلى المزن أي تحركت فيه اللجة المستودعة فيه.