فلما مهد أرضه وأنفذ أمره اختار آدم عليه السلام خيرة من خلقه، وجعله أول جبلته، وأسكنه جنته، وأرغد فيها اكله، وأوعز إليه (1) فيما نهاه عنه، وأعلمه أن في الاقدام عليه التعرض لمعصيته، والمخاطرة بمنزلته، فأقدم على ما نهاه عنه موافاة لسابق علمه، فأهبطه بعد التوبة (2) ليعمر أرضه بنسله، وليقيم الحجة به على عباده، ولم يخلهم بعد أن قبضه مما يؤكد عليهم حجة ربوبيته، ويصل بينهم وبين معرفته، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه، ومتحملي ودائع رسالاته قرنا فقرنا حتى تمت بنبينا محمد صلى الله عليه وآله حجته، وبلغ المقطع عذره ونذره، وقدر الأرزاق فكثرها وقللها وقسمها على الضيق والسعة، فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها وليختبر بذلك الشكر والصبر من غنيها وفقيرها، ثم قرن بسعتها عقابيل (3) فاقتها وبسلامتها طوارق آفاتها، وبفرج أفراحها غصص أتراحها (4) وخلق الآجال فأطالها وقصرها وقدمها وأخرها ووصل بالموت أسبابها وجعله خالجا لاشطانها وقاطعا لمرائر أقرانها. عالم السر من ضمائر المضمرين، ونجوى المتخافتين، و خواطر رجم الظنون (5) وعقد عزيمات اليقين، ومسارق إيماض الجفون، وما ضمنته
(٣٢٨)